من تنصيب جورج واشنطن إلى تنصيب #جو_بايدن (1 – 2) ،،، بقلم / د. حامد الحمود
لقد كانت خطبة الرئيس بايدن بليغة ومؤثرة، غير زاهية بالانتصار، إنما سعيدة بنجاح الديموقراطية، ومركزة على أن اختلاف الآراء لا يعني العدائية. وظهر بايدن معترفاً بالاختلاف، ومصراً على تجاوزه «أعرف أن القوى التي تقسمنا عميقة وحقيقية لكنها جديدة»، مضيفاً «أن ليس من الضرورة أن تكون السياسة كالنار المشتعلة، محطمة كل شيء في طريقها»، و«كل خلاف يجب ألا يتحول إلى حرب». فبعد أربع سنوات من إضرام النيران، لابد هناك من يطفئها، ولابد من تضميد الجراح. ووعدت الخطبة بالعودة إلى التعاون مع حلفاء الولايات المتحدة العسكريين، إضافة إلى المنظمات العالمية التي تركتها خلال السنوات الأربع الأخيرة، مثل اتفاق باريس للمناخ. كما أصدر بايدن قراراً بالعودة إلى منظمة الصحة العالمية. وقد جرى تنصيب بايدن بعد 232 عاماً من تنصيب جورج واشنطن – الرئيس الأول للولايات المتحدة – الذي كان في 30 ابريل 1789. وكان سكان الولايات المتحدة آنذاك أقل من أربعة ملايين. وقد حفزتني الخلافات السياسية المعلنة في الأشهر الأخيرة على أن أبحث قليلاً في النشأة الأولى للولايات المتحدة، خاصة في الظروف التي أدت إلى نشأة الدستور الأميركي إلى ما هو عليه بعد تعديلات أجريت عليه. وقد ساعدني على فهم بعض الأمور ما ورد في كتاب جوردون وود Gordon S. Wood «غاية الماضي The Purpose of The Past». ولعل البعض يشاركني التساؤل من أن الولايات المتحدة أعلنت الاستقلال عام 1776، فلماذا لم ينتخب جورج واشنطن إلا في عام 1789؟ أي بعد 13 سنة من إعلان الاستقلال. فالحقيقة أن إعلان الاستقلال كان أشبه بإعلان الحرب على بريطانيا التي انتهت بعد اعتراف هذه الأخيرة بالاتحاد الجديد بعد عام 1783. لكن حتى مع اعتراف بريطانيا، فلا بد من دستور مقر من الولايات قبل أن يتم انتخاب الرئيس، الذي استغرق بين التفكير فيه وتأطيره ونقاشه وإقراره من ممثلي الولايات ثم من الولايات نفسها حوالي ست سنوات بعد هذا الاعتراف. هذا وقد اعتمد الدستور الأميركي، الذي طرح النقاش حوله، على مبدأ تكوين ثلاث سلطات مفصولة عن بعضها، تراقب كل واحدة الأخرى. وقد كانت الخلافات بين الولايات الثلاث عشرة المشاركة في صياغة الدستور قوية، لدرجة أن القائد العسكري جورج واشنطن، والذي حقق انتصارات على البريطانيين، كان متشائماً من أن يتم اتفاق على دستور. لذا عندما دعي واشنطن للمؤتمر الدستوري في فبراير 1787، والذي عقد في مدينة فيلادلفيا، رفض الحضور في البداية، لكنه حضر في النهاية بعد ضغوطات. ولم تنته المداولات الدستورية إلا في سبتمبر 1787. أما أهم الأمور التي تضمنتها المداولات الدستورية فكانت تحديد سلطة الحكومة الفدرالية مقابل سلطة الولاية. وطريقة تمثيل الولايات في الكونغرس، إضافة إلى وضع العبيد وأمور أخرى. فكان هناك خلاف مثلاً حول طريقة التمثيل في الكونغرس. فالولايات الصغيرة كانت تريده متساوياً، والولايات الكبيرة أرادته نسبياً. إلى أن قدمت ولاية كونيتيكت Connecticut الحل بأن اقترحت أن يكون التمثيل في مجلس الشيوخ متساوياً، وأن يكون نسبياً في مجلس النواب. هذا وكانت هناك شخصيتان من القادة الأميركيين لعبتا أدوارا مميزة في صياغة الدستور ومن ثم تصديقه من قبل الولايات. هذان هما ألكسندر هاملتون من نيويورك وجيمس ماديسون من فيرجينيا. وكان لهما رأي يزدري العامة وقدرتها على تمييز مصالحها. فكانا يريان – وفقاً لما ورد في كتاب جوردون وود – «أن العامة ينتخبون شخصيات ضيقة الأفق على أمثالهم لا تفكر إلا بمصالحها الضيقة المباشرة». لذا لم يكن ماديسون يتوقع أن تتحقق المصلحة العامة من تنافس القوى، وإنما من تحييدها. ولا خير من تنافس اتجاهات مذهبية دينية، وإنما من تخفيف أثرها في المجتمع. وخلال الفترة منذ إقرار الدستور من قبل ممثلي الولايات في سبتمبر 1787 ومن ثم إقراره من تسع ولايات من ثلاث عشرة ولاية في يونيو 1788، واجهت الولايات المتحدة تحديات كبيرة. لكنها في النهاية تمكنت من انتخاب جورج واشنطن بالإجماع من ممثلي المجمع الانتخابي، ثم تنصيب واشنطن في إبريل 1789. وهو الرئيس الوحيد الذي انتخب بالإجماع. وكان الانتخاب في مدينة نيويورك التي كانت العاصمة خلال الفترة من 1785 ــ 1790. بعدها انتقلت العاصمة الى فيلادلفيا التي ظلت عاصمة لعشر سنوات إلى 1800، بعد الانتهاء من تشيييد مدينة واشنطن عاصمة للولايات المتحدة، التي أصبحت العاصمة التاسعة والدائمة للولايات المتحدة. فإضافة إلى نيويورك وفيلادلفيا كانت هناك ست مدن أخرى اختيرت عاصمة بسبب ظروف الحرب مع بريطانيا. ولابد من الإشارة هنا إلى أن اختيار مكان لتبنى فيه واشنطن عاصمة كان حلاً وسطاً بين الولايات الجنوبية المؤيدة للعبودية والولايات الشمالية المناهضة لها.