سؤال عن الموت والحياة! – بقلم : ذعار الرشيدي
خلال إقامتي في مستشفى حسين مكي جمعة لأكثر من عام لم أستغرب سوى جملتين سمعتهما من شخصين، كلا الجملتين جاءتا على شكل صيغة سؤال.
السؤال الأول جاء عبر اتصال هاتفي من صديق حالما رفعت سماعة الهاتف، قال لي مبادرا قبل السلام وبصوت عال: «هاا.. أنت حي ما مت؟!»، كان يمزح يومها ويومها كنت في منتصف الجرعة الثالثة معلقاً بين وادي الموت وأطراف الحياة، قال جملته بدافع «الميانة» ولكنها كانت قاسية وقاسية جدا في ذلك التوقيت المميت نفسيا وجسديا.
***
أعلم أن صاحب الجملة أو المزحة السمجة تلك يقرأ مقالتي الآن من حيث قدر أنها سترسم البسمة على محياي، ولكنه لم يقدر أنه زرع كابوس ظلام في ذهن شخص يبحث عن أدنى بارقة أمل وقتها حتى ولو في عيني غريب عابر يقول له: «مشافى».
وأعلم أن نيته بيضاء، ولكن أثرها الأسود لم أستطع أن أتخلص منه بسهولة، والأشقاء في مصر يقولون «الملافظ سعد» أي قم بانتقاء ألفاظك وهذّبها، أما صاحبي فسحل هذا المثل «سحلا»، وضربه في عرض الحائط.
***
الجملة الثانية أو التساؤل الثاني فهو أنه ورغم إصابتي بالمرض العضال استمررت في الكتابة اليومية والمتابعة والتحليل السياسي، ولم أعتقد أنني أرتكب خطأ هنا، حتى جاء أحد الأصدقاء يعودني حيث كنت في المستشفى وقال لي: «منو له خلق يكتب وهو فيه سرطان؟»، وكانت إجابتي واضحة أنني مريض ولم أمت بعد، وأنني وبحسب ما أعرف أعمل بمبدأ أسّسه ودعا إليه وأرساه نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: «لو قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها»، وكان هذا من باب إجابتي عليه يومها.
***
الأمر الأهم أن الكتابة جزء من حياتي اليومية وجزء رئيس من عالمي بالإضافة إلى أنها أولا وأخيرا عملي، فلم أتوقف عن أداء عملي وأنا قادر عليه ومتمكن منه أيضا، لم أتوقف عن فعل شيء أحبه وباستطاعتي فعله، الأكثر أهمية أن الكتابة في بعض لحظاتها ولحظات بحثي عن معلومة أو خبر أريد التعليق عليه أنستني مرضي وآلامي وجرعات الكيماوي، في ممارستي للكتابة اليومية كنت اقدم خدمة لنفسي.
***
عامة، تعلمت خلال محنة مرضي أمرين عامين، الأول هو إحسان الظن بالله يقينا إلى أبعد حد ومدى ممكنين، والثاني هو أن تتفاءل قدر ما نستطيع بأن غدا سيكون أفضل، وقد فعلت ولم يخب ظني ولم أبعد عن تفاؤلي.
***
أما الصديقان العزيزان ولعلمي بصفاء نيتيهما وإن أخطأ كل منهما في انتقاء مفرداته أو اختيار التوقيت المناسب، فيعلم الله سبحانه وتعالى أن محبتهما في قلبي لم تتغير ولا أكنُّ لهما سوى التقدير والاحترام.
***
توضيح الواضح: من لا يمكن أن أنسى زياراته لي الصديق العزيز والأستاذ الكبير شيخ المعدين التلفزيونيين قاسم عبدالقادر، الذي جزاه الله خيرا حرص منذ دخولي المستشفى على زيارتي، وأعلم أنه أحياناً كان يحضر وأنا مخدر ويجلس دقائق ثم يذهب، أما زياراته التي كنت واعيا خلالها فكان يتحدث معي بطبيعته وهدوئه عن كل شيء إلا المرض يتحدث عن الصحافة والذكريات والفن.
الأستاذ قاسم عبدالقادر كان ولا يزال أكثر من صديق صاحب قلب كبير، بعدها عرفت يقينا لِم يحبه ويثق به كبار الفنانين ويأتمنونه على أدق أسرارهم وعلمت يوما لماذا أصبح من اهم الصحافيين الفنيين في الخليج.