لماذا نتخلى عن القبلية؟ – بقلم : عمر العبدلي
تكثر الدعاوى للتخلي عن القبلية ونبذها في الدولة الوطنية بوصفها هوية معارضة للهوية الوطنية، فالدولة وجدت لحكم شعب متجانس الهوية في حين أن الهويات الأهلية تتصدى لهذا التجانس وتمنعه، فهي إذاً ضارة لدولة المواطنة وللمجتمع المدني، ولكن هل نعيش حقا في دولة مواطنة ومجتمع مدني حتى نطالب بالتخلي عن القبلية؟
وجهت انتقادات عديدة للقبلية من قبل الدولة والمثقفين والفئات الحضرية منذ نشأة الكويت وحتى يومنا هذا، إذ أن الانتماء القبلي يتعارض مع الانتماء الوطني، فالأول يرى أن القبيلة تستمد قيمتها من الولادة وتَميّز أعضائها عن الآخرين، بذلك فإن التمييز هنا بين أفراد وآخرين هو جوهر القبيلة، وبالجانب الآخر فإن الانتماء الوطني يستمد قيمته من الحقوق الأساسية والمساواة أمام القانون في الدولة، فالمساواة هنا وعلى عكس التمييز هي جوهر المواطنة، فهل نعيش وفقا لذلك في دولة تتحقق فيها المساواة أم التمييز؟
إن الإجابة على هذا السؤال هو الفاصل في دعوى التخلي عن القبلية، فإن كانت المساواة متحققة فالتخلي واجب، وإن كانت غائبة فالتمسك بالقبلية طبيعي، بل وضروري لأفراد عزل أمام جهاز قادر على البطش والتنكيل في أي لحظة إن لم يكن هنالك رادع.
إن النظام السياسي في الكويت قائم على كسب الولاءات القبلية، فمنذ نشأة الدستور حتى يومنا هذا استخدمت القبيلة كقوة ردع لطموحات التيار الوطني، الذي أراد تأسيس دولة المواطنة بديلا عن الإمارة المشيخية، مما جعل السلطة تستعين بالقبائل لضمان موازين القوى في الدولة، عن طريق تقديم التسهيلات (الواسطة) في الوظائف والخدمات كأحد أهم سياساتها لضمان الولاء.
تحتكر الدولة وسائل الإنتاج، أي الوظائف وحتى الخدمات. فيصبح المقياس للوظيفة الجيدة هو الولاء لا الكفاءة، وتتدخل بالانتخابات من خلال المال السياسي وبتحويل القيود الانتخابية، وتمنع الأحزاب وتحل جمعيات النفع العام وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، تاركة المواطن مسلوب الإرادة عاجزا عن نيل الحقوق على أساس المساواة أمام القانون، فهي من تكتب القانون وتنفذه.
تغلق السلطة كل أنواع التعامل مع المواطنين بشكل مباشر، لتدفع الفرد دفعا إلى الانتماء للكيان الاجتماعي الذي ولد فيه، كالقبيلة، التي بدورها تقدم مرشحا لها في البرلمان، يتم اختياره في الفرعيات الممنوعة قانونيا والمتجاوز عنها كذلك، لأن بقاءها يخدم السلطة ويسهل عملية التحكم بها، فالتعامل مع مواطنين أحرار يطالبون بحقوقهم وبالمساواة أمام القانون هو ما لا يمكن تحمل عقباه.
تقوم الفرعية بانتخاب أكثر المرشحين تنفيذا للخدمات لأعضائها، ونجاحها في الاستمرار ليس دليلا على قوة الانتماء القبلي للأفراد بل دليلا على فشل الدولة في تعزيز المواطنة، ومن المعلوم أن المرشح الأكثر تنفيذا للخدمات هو مرشح السلطة، التي تساعده في سد احتياجاته من الخدمات والتجاوزات كي تضمن نجاح مرشحها، ثم استعباده طوعيا لتنفيذ مآربها، لذا فالتحرر من الاستبداد السياسي هو الوسيلة الوحيدة للتحرر من الاستبداد الاجتماعي وطالما كان الأول قائما فلابد للآخر البقاء.
يتمتع الأفراد بالحرية الطبيعية التي تقدمها القبيلة بوصفها كسب وظفر واغتنام بفعل القوة والعدد، ولن يتخلى عنها أحد ما لم تتوافر حرية مدنية تقدمها الدولة بوصفها حقا يمنح وفق واجبات تستند على عقد اجتماعي، يجبر من خلاله جميع المواطنين على المساواة ولا يميز بينهم على أساس أكثرية وأقلية، إذاً فالقبلية هي نتيجة للتمييز الذي تمارسه الحكومة وليست سببا له، وللخلاص منها وجب العمل على عقد اجتماعي/ دستور يلزم الجميع بالعمل فيه باسم القانون وحده لا باسم الولاء أو الانتماء، هكذا وجدت المدنية وهكذا توجد إن أردنا وجودها.