الأنساق المفاهيمية والإسلام السياسي – بقلم : حماد مشعان النومسي
اللغة والمفاهيم يعدان ركنا ركينا من أركان السياسة فكرا ونهجا وفلسفة وعلاقات وأساليب وممارسات، والسياسة غالبا ما تعتبر نشاطا يؤسس على اللغة، وتشكل المفاهيم بها صورة للعالم لدى الناشط السياسي، وتتشكل الأحزاب والكيانات الجماعية السياسية: التنظيمية المحدودة «البراغماتية» منها أو الفكرية الجمعية العابرة للأقاليم «الأيديولوجية» عبر المفاهيم المشتركة لغة ووعيا وثقافة، بل إن اللغة تعتبر عنصرا أساسيا في ربط الكيانات السياسية بغيرها من الكيانات أو المؤسسات.
***
اللغة مهمة للسياسة على مستوى التطبيق العملي أو التنظيري، فهي التي تمد السياسيين بالمفاهيم اللازمة لمعرفة ما يدور حولهم من أحداث.
والمفاهيم دائما وحتما تسبق بناء الصرح الفكري وعليها يؤسس، وهي المرآة التي تعكس منطق النسق النظري بعد تشكله، وهي المدخل الحقيقي لتغييره وإعادة تشكيله وتغييره وإحداث النقلة المعرفية به.
***
الثقافة واللغة والمفاهيم أنساق وأساسيات مهمة في تبلور الوعي والفكر السياسي وإدراك الذات والشخصية السياسية الذاتية وتحديد وترسيخ الهوية الفردية والجماعية وتأطير للإدارة السياسية بكل مستوياتها.
وكما يقول المفكر والباحث السياسي تيرنس بول: حين تسكت اللغة يكون البديل لها هو تشظي الجماعة السياسية، وتوقف التفاعل بين عالم الأفكار والعالم المادي المحيط، ويكون الخطر هو اندلاع العنف.
***
المتابعون لي يتذكرون كلامي دائما عن وجوبية تفكيك الخطاب السياسي الخاطئ، خاصة تفكيك المفاهيم غير المفهومة بهذا الخطاب لدى أغلب السياسيين.
***
بهذه المقدمة المبسطة أدخل إلى صلب الموضوع وهو ما عرف بمصطلح «الإسلام السياسي» مؤخرا.
كثيرا ما سمعنا بهذا المصطلح دون أن نجد له تعريفا واضحا أو حتى معنى محددا، والذي أرى أنه لا معنى له قطعا ولا موضع لاعقلا ولا نقلا، ولم نسمع به أصلا إلا منذ سنوات قريبة جدا.
رغم تأكيدي على أن هذا المصطلح ليس له معنى، إلا أن المغزى من إطلاقه له معنى كبير عند مطلقيه من أعداء الأمة، فأبحاثهم وكتاباتهم ودراساتهم الاستشراقية واضحة وكثيرة، وقد خلصوا إلى عدة توصيات بموجبها يفصل الدين عن الدولة وعن الواقع بطبيعة الحال، ويفصل إلى عدة فصول، والتي بمعرفتها نستطيع أن نفهم الهدف من خلق مصطلح «الإسلام السياسي»، فهم من جهة يؤصلون لما أسموه بالإسلام الطقوسي ويرعونه ويحثون عليه لكي ينتج مسلمين مترهبنين متصومعين قاعدين، ومن جهة أخرى «يكرسون» لما يسمى بالإسلام المذهبي أو الجغرافي الذي يفرق شمل هذه الأمة ويشتت جمعها إعمالا لمنهج «فرق تسد»،
وهذه حقيقة هي الحرب الحقيقية والمقصودة غير المعلنة على الإسلام ككل وهو ما أسموه تحايلا «الإسلام السياسي»، والذي هو الإسلام الحقيقي العلمي والعملي الذي يشكل لهم الخطر الحقيقي.
***
ولا يغيب عن أذهاننا المقولة الغربية الاستشراقية التاريخية التي تقول: إن هذه الأمة تؤمن بـ «خرافة» الخلافة، فيجب أن نوجد لهم خليفة وإماما بمعاييرنا وطوع أيدينا لكي نسوسهم من خلاله.
***
باختصار شديد هذا ما أردت قوله رغبة في كشف وتفكيك بعض المفاهيم غير المفهومة، سواء من جانب لغوي وسياسي من جهة، أو من جانب تاريخي من الجهة الأخرى.
hammad_alnomsy@