في ظل الظروف العالمية التي نحياها والواقع المتغير باستمرار وفي زمن كورونا التي حصدت ملايين الأرواح حتى الآن فرضت علينا الكثير من القواعد المختلفة في شتى المجالات، فالتواصل صار له قواعد جديدة، والطعام كذلك بل وشرب القهوة والعادات العادية جدا طالتها القواعد المرتبطة بهذا الواقع الجديد.
ومن أهم ما فرض علينا في مسار تحقيق أي هدف أن تكون صاحب أفكار إبداعية من أجل الوصول إلى مبتغاك، لم يعد هناك مجال للتقليد والكلاسيكية على مستوى الأفكار أو حتى على مستوى آليات التنفيذ، فالوسائل المعتادة بشكل عام لم يعد لها مكان ولم يعد الناس يقبلون على ما سمعوا عنه كثيرا بل هم الآن في تطلع دائم إلى كل ما هو غريب ومنجز، حتى صرنا في حاجة ماسة إلى الإبداع في كل مجالات حياتنا وهو أمر تزداد حتميته مع الوقت.
ففي عالم الأعمال مثلا أصبح التنافس على أشده في المجالات كافة، وهذا التنافس فرض حالة من انتشار للأفكار ما جعل الإبداع وتقديم الجديد وغير المعتاد أمرا لا مفر منه، فلم يعد مقبولا أن تعرض بضاعتك بمجرد كلمات عن مميزات تلك البضاعة أو تاريخ تصنيعها، فقد تجاوز الأمر ذلك إلى الصورة والفيديو والتصميمات العبقرية وإجادة تخصصات لم تكن على خريطة العمل من قبل.
إن تقديم الأفكار الإبداعية لا يتطلب وجود الفكرة فقط بل يتطلب الجرأة على تقديمها فقد تقابل بالسخرية ممن حولك وقد تقابل بالرفض من المسؤولين، لكن الثقة في قوة الفكرة والإيمان بها هما ما سيقودانك لتنفيذها، ففي عصرنا الحالي هناك الكثير من الشركات التي نستخدم منتجاتها بشكل واسع، لكننا لا نعلم مقدار الاستهزاء الذي تعرضت له في بداياتها، بل حتى الأشخاص الذين رفضوا تلك الأفكار والمنتجات في البداية أصبحوا الآن من أوائل مستخدميها.
حين ظهر موقع «تويتر» كان هناك الكثير من المنصات والمواقع أو حتى الخدمات المشابهة، وبالتالي فإن سوقه كان تنافسيا للغاية واحتمال نجاحه كان ضعيفا، وبسبب كل ذلك توقع الجميع الفشل لهذا الموقع الناشئ لكن ما حدث كان مخالفا لتوقعات الجميع، حيث استطاع التغلب على الكثير من الخدمات المشابهة، ليحتل الآن موقع الصدارة بين تلك الخدمات والمواقع والذي يبحث عن كيفية صعود تويتر وتغلبه على غيره سيجد من الإبداع والابتكار في الأفكار العديد والعديد حيث نجح في جذب الساسة والمشاهير والفنانين وغيرهم بآليات إبداعية متميزة.
وعلى مستوى واقعنا الحالي، نحن نحتاج إلى استكمال مسيرة الابتكار التي صارت بارزة في مجتمعنا بسبب جائحة كورونا والمتمثلة في التعليم عن بعد على سبيل المثال وكذلك التعامل مع كافة منافذ البيع من خلال الإنترنت والتعامل بين الهيئات الحكومية والمواطن الذي أصبح الآن (أونلاين) لتحقيق المعادلة الصعبة بجعل المعاملة التي كانت تستغرق أشهرا أحيانا لا تتجاوز الدقائق لإنجازها.
كل هذه المظاهر والمتغيرات هي مواكبة للتسارع العجيب في وتيرة سير الحياة بشكل عام ولا بد أن نستفيد منها فيما هو مرتبط بالإبداع والابتكار. فالموظف الإداري يحتاج للإبداع من خلال تقديم الأفكار المتميزة لمديريه، والمدرس يحتاج للإبداع في إيصال المعلومة للطلاب ليجذب عن بعد كل تركيزهم، والتاجر يحتاج للإبداع في تسويق بضاعته حتى العميل نفسه يحتاج للإبداع في تعامله مع التجار. والأبواب في كل ذلك مفتوحة على مصراعيها لمن أراد أن يبحث ويستفيد ولو اتسع المقام لتوسعنا في ضرب الأمثلة.
وفيما يرتبط بإدارة الذات، فنحن بحاجة للنظر إلى أنفسنا من زوايا جديدة ومختلفة وأن ندخل على حياتنا كل ما هو جديد ومبتكر في إطار مفيد بالتأكيد، نقف على قدراتنا الحقيقية وإن رأينا في أنفسنا نقصا في جانب معين فلنكمله بالمعرفة والتعلم وهو أيضا جانب من جوانب الإبداع.
وعلى الصعيد الاجتماعي، نحن في أمسّ الحاجة إلى الإبداع، خاصة في هذه الظروف وما تفرضه من تباعد وانعزال في بعض الأوقات، نستطيع أن نبدع في علاقاتنا بهدايا بسيطة نرسلها تعيد الدفء والمودة بيننا حتى وإن عز اللقاء، بدلا من الرسائل والكلمات فقط التي قد يختفي تأثيرها مع مرور الوقت.
الابتكار هو سيد الموقف، فلنستنشق أوكسجين التفكير «خارج الصندوق» حتى نحقق أهدافا نوعية تعوضنا ما فاتنا بسبب الأزمات المتسارعة التي يشهدها العالم، وليكن شعارنا «بالإمكان أبدع مما كان».
