امرأة الأب الثانية – بقلم : د .عبدالهادي الصالح
بعيدا عن التعدد، يضطر الأب عندما يطلق أو يترمل أن يقترن بزوجة أخرى، لحاجة إنسانية، فالزواج آية من آيات الله، جعل فيه الرحمة والسكينة والمودة. لكن قد يتحول هذا الزواج الثاني إلى نكد وجحيم لا يطاق، والسبب إما معارضة أولاد وبنات الزوجة الأولى، لشعورهم بالخوف من استغلال هذه المرأة لأبيهم واستيلائها أو منافستهم على ثروته المالية والعينية، أو لغيرتهم من امرأة أجنبية تتربع في قلبه مكان أمهم العزيزة الغالية. أو تأتي المشاكل من هذه المرأة التي تحسب حساب مستقبلها ومستقبل عيالها الجدد من أطماع عيال زوجته الأولى!
وفي كل الأحوال الأنانية هي أساس المشكلة، وعدم تقدير مخاوف الطرف الآخر. ومفتاح المعالجة في مقدمات هذه الزيجة بحسن الاختيار للمرأة التي تتفهم وتقدر العلاقة المادية والعاطفية المتبادلة بين هذا الرجل وأبنائه، وبمفاتحة أولاده بالخطوة الذي سيقدم عليها كحق له ينبغي أن يتفهموه على أنه ليس رسالة إهانة أو تنكر أو خيانة لأمهم ولا مصادرة لحقوقهم المحفوظة.
نعم توجد نماذج ناجحة، أضفت زوجة الأب البهجة على بيت الزوجية الأولى، وكانت سندا لزوجها وأولاده، بمثل كانوا لها كذلك.
وينقل لنا التاريخ مثالا قلّ نظيره، في السيدة الجليلة فاطمة بنت حزام الكلابية المعروفة باسم أم البنين عليها السلام، وهي زوجة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، من بعد وفاة زوجته سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام، فكانت تفيض بالحنان والحب والاهتمام بزوجها وأبنائه من أم الحسنيين، أنجبت أربعة بنين كان أكبرهم أبوالفضل العباس عليه السلام وجعفر وعبدالله وعثمان، كانوا العضيد والسند لإخوانهم من أبيهم: الإمام الحسن، ثم للإمام الحسين وبطلة كربلاء السيدة زينب «عليهم السلام جميعا».
وعندما فجعت الأمة بالأخبار المأساوية ليوم عاشوراء، كانت أم البنين تتلهف لأخبار الحسين عليه السلام قبل سؤالها عن أبنائها، وتقدم عزاء سيد الشهداء على أبنائها الشهداء الأربعة، وهذا مما رفع شأنها وجل مقامها إلى مصاف أهل البيت عليهم السلام. توفيت في 18 أو 13 جمادى الآخرة سنة 64 هـ، وقبرها في الزاوية اليسرى من البقيع في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يتشرف بزيارتها المسلمون تعظيما لها حتى اليوم.