فيلسوف استثنائي – بقلم : الشيخ احمد حسين احمد محمد
كل من يقرأ الرواية ويعشق الفكر والأدب يعرف العبقري «أمبرتو ايكو»، ولابد أنه قد قرأ شيئا من آثاره التي أنارت مصابيح العقل والروح بإثارات متحفزة لتغيير إنسان هذا العصر عن طريق الاعتكاف في دهاليز الوراقين والانكباب على الكتب وصناعة مائدة معرفية مليئة بمشاعل الفكر المتعالي، ورغم ذلك نراه ينكر ذاته وهذه سمة الحكماء فيقول عن نفسه إنه ليس قارئا جيدا، وهناك كتب في العالم أكثر من عدد الساعات المتوافرة لقراءتها ونحن نتأثر بعمق بكتب لم نقرأها وليس لدينا الوقت لقراءتها، من الذي قرأ حقا يقظة فنجان من البداية إلى النهاية؟ من الذي قرأ العهدين القديم والجديد بتعمق ومن سفر التكوين إلى سفر الرؤيا؟
إن لدي فكرة، فيها بعض الدقة عما لم أقرأه، وينبغي لي أن أعترف أنني قرأت الحرب والسلام عندما كنت في الأربعين ولكني كنت أعرف الأساسيات من قبل ذلك، كما أنني لم أقرأ المهابهارتا رغم أنني أملك ثلاث نسخ منها بثلاث لغات مختلفة، ثم من الذي قرأ حقا الكاماسوترا رغم أن الكل يتحدث عنه؟ لذا فإننا نرى أن العالم ممتلئ بالكتب التي لم نقرأها ولكننا نعرفها جيدا.
ومن العجيب حقا أنك عندما تبدأ في قراءة مثل هذه الكتب ستجدها مألوفة بالفعل وإن تساءلت كيف يحدث ذلك؟ فإنني أقول إن هناك إجابات كثيرة بعضها يقبل وبعضها لا يعقل فإن هناك من يرى هناك موجات تنتقل من الكتاب إليك وهذا ليس إلا وهم اجوف.
وقد يقول البعض انه ربما ليس من المؤكد أنك لم تفتح هذا الكتاب أبداً فإنه طوال سنوات كنت مضطرا لأن تنقله من مكان لآخر فربما تكون قد ألقيت نظرة عليه ونسيت أنك قد فعلت ذلك.
وهناك رأي ثالث يدعي انك طوال سنوات قرأت العديد من الكتب التي ذكرت هذا الكتاب مما يجعله مألوفا وهذه كلها تخمينات، لكن الحقيقة هي أن هناك كتبا على أرفف مكتباتنا لم ولن نقرأها رغم ما نتوهمه من اننا سنقرأها لاحقا.
إن عاشق الكتب يعيش حزنا عميقا عندما ينتظر الموت على فراشه لأنه يتيقن حينئذ أنه يقضي الساعة الأخيرة في حياته ولا يزال لم يقرأ كل ما تمناه من كتب ومعارف، وهذا ألم إنساني بامتياز وهنا يجب أن تتجلى لنا حقيقة ترفع عنا الألم، عنوانها أن القراءة غاية سامية لكنها وسيلة لما هو أسمى وهو خلق إنسان جديد من إنسان قديم وولادة عقل متجدد وروح أكثر تنورا وتألقا، هذا هو ما يرفع الألم ويوصل الإنسان إلى مقام الوجود الحقيقي لا الزائف.