ورحل المايسترو الذهبي في الزمن الكوروني! – بقلم : يوسف عبدالرحمن
في 2014/1/11 كتبت استراحة بعنوان: «المايسترو الذهبي»، ناصرت فيها الأخ الأستاذ سعيد البنا الذي رأيناه دائما ببدلته السوداء يقود أوبريتات عمالقة الأمس وكل زمان قادم لوطنيتها، خاصة التي صيغت كلماتها من الأستاذ د ..يعقوب يوسف الغنيم ود.عبدالله العتيبي، ولحنها الموسيقار الكبير الملحن الفذ غنام الديكان، وغناها شادي الخليج الأستاذ عبدالعزيز المفرج، وابنة الكويت القديرة سناء الخراز.
بالأمس نعاه الناعي: توفي في القاهرة المايسترو سعيد البنا، ولأنني أجريت له أكثر من عرض ومقابلة وأعي جهوده منذ كنت في مدرسة صقر الشبيب الابتدائية في السبعينيات وأراه في مسرح مدرستنا يقود (البروفات) لتخرج بعدها أوبريتات عظيمة تمثل حقبة زمنية من الزمن الجميل، ولاتزال هذه الأوبريتات صالحة لهذا الوقت وقادمات الأيام لأنها (محبوكة) صح من عمالقة كان همهم هو التكامل في إخراج أوبريت يمثل الكويت، وقد كان.
لقد ناصرت الأستاذ سعيد البنا وتعرضت لكثير من الانتقاد والتعنيف، لأنني أعلم وأعرف حجم حبه لبلدي الكويت، وكنت أراه تعرض لظلم بيّن بعد العطاء الذي قدمه لنا على شكل أوبريتات وطنية مازال لها مفعول السحر لنا ككويتيين نطرب لسماعها ونعي معانيها!
وأتذكر ولله الحمد عندما أثرت قضيته وناشدت أجهزة الدولة ممثلة في وزارة التربية ووزارة الإعلام والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وجمعية الفنانين، ضرورة مناصرة هذا الفنان الرائع بعدما تعرض لنكران وإهمال متعمد، وقد دعمت مقالتي بزيارة له في شقته في شارع الشيخ حمد المبارك بالدور الخامس شقة 30 وبرفقتي الزميل عبدالحميد الخطيب والمصور هاني الشمري لعيادته في المرض والاطمئنان عليه، والقصة كاملة مكتوبة في «الأنباء» بتاريخ 11 يناير 2014م.
لقد شارك سعيد البنا بأروع الأعمال الوطنية وهو كما يصفه الدكتور يعقوب يوسف الغنيم بـ «الأستاذ الفنان»، وهو للأمانة والتاريخ كان (أبو أوس) أول من طرح قضيته وأشار الى مرضه وطالب الدولة بأن ينال منها نظرة اهتمام لأنه يستحق هذا الاهتمام بكل المقاييس.
رحل سعيد البنا وهو الذي قاد لنا التوزيع الموسيقي لأوبريتات: مذكرات بحار، ومواكب الوفاء، والزمان العربي، وحديث السور، وأنا الآتي، صدى التاريخ، حكاية وطن، والشراع الكويتي.
بالأمس تفاعل الفنانون والمثقفون في الكويت مستذكرين مناقبه وأبرز أعماله الفنية لأننا بكل صراحة فقدنا اليوم واحدا ممن له فضل بجهده وفكره، وكان يستحق منا التكريم في حياته، وقد قامت «الأنباء» بهذا الجانب الإنساني النبيل.
رحل سعيد البنا وله في ذاكرتنا غير الأوبريتات الوطنية التي نأمل أن تذاع كلها في شهر فبراير (هذا وقتها) لتعرف الأجيال الحالية ماذا قدم لنا هذا الفنان الجميل الذي رحل!
رحل سعيد البنا ونتذكر أبرز أعماله وأولى مشاركاته في العزف ضمن الإذاعة الموسيقية كعازف لتشيللو في أغنية «كفي الملام» من غناء شادي الخليج وأوبريت «بساط الفقر»!
لقد صنع لنا (أوبريتات ذهبية)، آن الأوان أن ننفض الغبار عنها لتذاع في شهر فبراير.
أتذكر قبل سفره الى مصر قابلته مع الزميل عبدالحميد الخطيب، فقال لي: لن أتوب عن الموسيقى لأنها في دمي والمجتمع الكويتي محافظ لكنه لا يعتقد أن الفن حرام.. وهمس لنا بأنه يرغب في الذهاب الى العمرة وفي داخل نفسه حنين للاختلاء مع النفس، وكان هذا الحديث الصحافي قد نشر في «الأنباء» في 2014/6/11 ولن أنسى ما قاله: حضرت الى الكويت وعمري 25 عاما والآن 80 وحججت وذهبت معتمرا 3 مرات وأصلي الفجر حاضرا في المسجد ودموعي في عيني وأنا أجهِّز أغراضي للسفر النهائي!
٭ ومضة: ورحل اليوم عنا الأستاذ سعيد البنا وبرز وفاء أهل الكويت الذين عاصروه ولله الحمد عددهم كثير، وقد رأيت كثيرا من هذا الاطراء له في رثائه أول من أمس في الميديا والتواصل الاجتماعي، غير أنني أقولها بكل صراحة وقفت طويلا أمام مرثية الدكتور أستاذي يعقوب يوسف الغنيم وعنوانها: الوتر الغائب!
رغم أن القصيدة قيلت يوم مغادرته ووداعه وفيها من الأبيات الجذلة ما يشعرك بقوة المعاني التي يطرحها شاعرها وقائلها، وأختار أبياتا جعلتني أنتشي وصولا فوق الغمام لقوة المعنى مما جعلني أقول:
حفظك الله يا «أبا أوس» فلقد أنصفته، اقرأوا وتمعنوا في هذه المعاني:
أسعيد إن جار الزمان ولم
تلق الذي ترجو به الأمنا
وبذلت جهدا لم يجد أبدا
قلبا يلبي أو يجد ذهنا
هم ضيعوا تلك الوعود واخلفوا
بعد المسافة والمدى عنا
٭ آخر الكلام: لقد اختصر لي أستاذنا القدير د.يعقوب يوسف الغنيم أي قول وأقولها:
ولا تشتك الأيام إلا لمنصف
فلا خير في الشكوى الى غير ناصر
٭ زبدة الحچي: شكرا كبيرة ودعاء لك يا سعيد البنا بظهر الغيب، وقدر الكبير أن يكون كبيرا حتى في مماته، لقد قالها وكتبها: إنني أتمنى بقائي في هذا البلد الحبيب الى آخر يوم في عمري.. وها هو اليوم يرحل الى خالقه.. لنقولها عبرة لكل جيل، هذا مصري خدم الكويت ويستحق منا جميعا الدعاء له:
من يصنع الخير مع من ليس يعرفه
كواقد الشمع في بيت لعميان
رحل سعيد البنا، ومازلت أسمع صدى بيت لأبي أوس يقول:
الود باق والوفا قدر
لم يفلح الواشي بما ظنا
معالي وزير الإعلام لابد من عمل برنامج يعرض مسيرة وإنجاز هذا المايسترو الذهبي الذي أعطانا زادنا في الأعياد الوطنية وألحانه كلها فيها لمسات روح كويتية!
48 عاما قضاها في الكويت تُحمّلنا المسؤولية في ألا ننساه، لأنه سيظل في كل أعمالنا الوطنية التي أنجزت في الزمن الجميل بعيدا عن المكابرة والحسد!
رحمك الله يا أبا محمد.. اللهم وسع مدخله وأكرم نزله، واجعل قبره روضة من رياض الجنة ومنزلته الفردوس الأعلى من الجنة.. وعظم الله أجر أسرته ومحبيه.
٭ تعزية: تلقينا ببالغ الحزن والألم نبأ وفاة العمة الجليلة العزيزة فتوح سهيل حسن الزنكي، عن عمر يناهز الـ 77 عاما، ارملة صالح احمد الاثري، رحمه الله، والتي شُيّعت في مقبرة الصليبخات.
والعمة أم فتحي من أصل البيت الكويتي المعطاء، وهي مثال وانموذج للأم الصالحة التي احسنت تربية أبنائها، وستفقدها الكويت والرميثية. كل العزاء لأنجالها «فواز ـ هيثم ـ ناصر ـ يوسف ـ ثامر ـ سوسن ـ عائشة ـ وحفيدها صالح فتحي الأثري»، سائلين المولى عز وجل أن يرحمها ويغفر لها ويسكنها فسيح جناته، ويلهم ذويها وأهلها (الزنكي ـ الأثري) الكرام الصبر والسلوان، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
في أمان الله.