فائدة ودائع الأفراد بالكويت تُعادل نصف زكاتهم!
بخلاف المنافسة المشتعلة بين البنوك المحلية منذ فترة على استقطاب الودائع الحكومية، والتي أدّت إلى رفع كلفة هذه الأموال لمعدلات غير مسبوقة مصرفياً، منذ بدء أزمة كورونا، تصنف الفائدة الممنوحة على ودائع الأفراد ضمن خانة العوائد الرخيصة.
وفي التفاصيل، أفادت مصادر مسؤولة لـ«الراي»، بأن مسار الفائدة المصرفية الممنوحة محلياً على الأموال الشخصية كان إلى الأدنى في الفترة الأخيرة، بعد أن سجلت انخفاضات جديدة، لتبلغ حالياً في بعض البنوك 1.25 في المئة على أجل سنة، مقابل 4.5 في المئة فائدة القروض الشخصية، فيما تصل فائدة قروض الشركات إلى 5.5 في المئة.
وبلغ إجمالي ودائع القطاع الخاص نحو 37.332 مليار دينار في نهاية 2020، وذلك من أصل 45.275 مليار، محققة زيادة بنحو 1.093 مليار (3.02 في المئة) مقارنة بمستواها الذي بلغ 36.239 مليار نهاية 2019، في حين تراجعت في ديسمبر الماضي بنحو 505 ملايين دينار (1.33 في المئة) مقارنة بنوفمبر.
سلم الاستحقاقات
وعملياً، لم يشمل مسار الفائدة الرخيصة، الأموال الشخصية فقط، بل امتد أيضاً إلى ودائع الشركات، حيث تمنح مستويات مشابهة للأفراد، لتكون بذلك الفائدة الأعلى الممنوحة محلياً في الوقت الحالي موجهة فقط إلى الودائع الحكومية لدورها الأوسع في ترتيب سلم الاستحقاقات، فيما من المرتقب حسب مصرفيين أن تحافظ فائدة ودائع الأشخاص على مستويات قريبة من المتداولة حالياً.
وسوقياً، هناك بعض البنوك تدفع معدلات فائدة على ودائع الأفراد أعلى من 1.25 في المئة، لتصل إلى 1.7 في المئة، مروراً بـ1.35 في المئة، لكن قياساً بأقل أسعار ممنوحة على ودائع الأفراد، فإنها تكون أقل من سعر الخصم بنحو 15 في المئة.
الوديعة المستحقة
كما يمكن الإشارة إلى أن سعر فائدة الأموال الشخصية تُشكّل 50 في المئة فقط من مبالغ الزكاة المحددة (2.5 في المئة)، حيث يتعيّن على صاحب الوديعة المستحقة للزكاة أن يدفع الفائدة التي يحصل عليها من وديعته، محملة بالقيمة نفسها مأخوذة من أصل المال، حتى يستوفي النسبة المطلوبة.
وأمام مسار الفائدة على ودائع الأفراد في الفترة الأخيرة، يكون السؤال مشروعاً، لماذا البنوك المحلية غير مهتمة بالأموال الشخصية لتقبلها بفائدة رخيصة، وهل يمكن أن تتحوّل الفائدة على ودائع الأفراد مستقبلاً إلى سالبة، وإلى أي مدى يمكن أن يطول هذا الوضع؟ وعملياً، تتفرع الأجوبة على هذه الأسئلة، لكن في النهاية تتداخل الأسباب نفسها، والتي يمكن حصرها في الآتي:
1- قرّر مجلس إدارة بنك الكويت المركزي في 16 مارس الماضي تخفيض سعر الخصم بواقع 1 في المئة، من 2.5 إلى 1.5 في المئة، وهو المستوى الأدنى تاريخياً، مستهدفاً بذلك تخفيض تكلفة الاقتراض لجميع القطاعات الاقتصادية من أفراد ومؤسسات، لتعزيز بيئة داعمة للنمو الاقتصادي والمحافظة على الاستقرار النقدي والمالي، فيما قرّر أيضاً إجراء تخفيض بالقدر نفسه بنسبة 1 في المئة، لسعر فائدة الريبو وأسعار كل أدواته للتدخل في السوق النقدي.
ونتيجة طبيعية لذلك تراجعت الفائدة الممنوحة على جميع أشكال الودائع، وفي مقدمتها الشخصية والشركات.
2- بجردة بسيطة لأرباح البنوك الفصلية في 2020، يمكن ملاحظة أن خفض سعر الخصم للمستويات الحالية أثّر على إيراداتها، وهي جهة مانحة للأموال، ما يعني أن الخفض ليس في اتجاه واحد لكنه يسير على الودائع والقروض، وإن كانت فائدة الأخيرة أعلى إلا أنها تصنف أيضاً كفائدة رخيصة كونها تشمل في حساباتها كلفة إدارة الودائع والقروض.
ولعل ما يجمع البنوك على خفض الفائدة في الاتجاهين قناعتها بالهدف الرقابي الأوسع من خفض الخصم لهذه المستويات، وهو تحفيز الاقتصاد، ومواجهة التبعات السلبية المؤثرة على النمو الاقتصادي العالمي والوضع الاقتصادي والمصرفي في البلاد.
3- بات معلوماً أن البنوك المحلية تُعاني منذ فترة من تراكم فوائض السيولة لديها إلى مستويات غير مسبوقة، وتحديداً منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2008، وما عزّز هذا التعقيد أخيراً الظروف الاستثنائية التي فرضتها تداعيات جائحة كورونا على البيئة التشغيلية محلياً وإقليمياً وعالمياً، ما خفف شهية البنوك لاستقطاب مستويات إضافية من الأموال الشخصية، وهي تكافح أصلاً لتصريف مخزونها التاريخي من السيولة المتراكمة لديها.
ويكفي الإشارة في هذا الخصوص إلى أن حجم إيداعات البنوك لدى بنك الكويت المركزي بلغ في 2017 نحو 4.6 مليار دينار، وصعدت في 2018 إلى 5.842 مليار، وسجلت في 2019 نحو 6.4 مليار.
ولذلك يمكن القول، إن الفائدة الرخيصة على ودائع الأفراد وكذلك على ودائع الشركات، نتيجة طبيعية لتداعيات الأزمة التي زادت من تكديس الأموال في البنوك، في وقت لا تزال فيه الفرص المناسبة لامتصاصها غير متوافرة.
4- معروف في الكويت أن هناك مثلثاً تقليدياً للاستثمار وتحديداً لدى الأفراد، أطرافه البنوك والعقار والبورصة، فكلما شهد أحد الأطراف الثلاثة ضغوطاً لجهة الربحية نزح مستثمروه إلى الضلعين الآخرين، كل حسب اهتمامه، إلّا أن الإشكالية تتمثل حالياً في أن الأضلاع الثلاثة تواجه ضغوط تراجع الأرباح في الوقت نفسه، مع الأخذ بالاعتبار أن نسبة العائد الأفضل لدى الأفراد تقاس بمعدل المخاطر، الذي يعد الأقل في الاحتفاظ بالنقد بالمصارف.
5- لدى السياسة النقدية، تعد أسعار الخصم الحالية ملائمة للأوضاع الاقتصادية المحلية، وتنظيم مستويات السيولة، وتدعيم القواعد الرأسمالية للبنوك وبناء المخصصات الاحترازية والمصدات المالية الرقابية، وتستهدف تخفيض تكلفة الاقتراض لجميع القطاعات الاقتصادية من أفراد ومؤسسات، لتعزيز بيئة داعمة للنمو الاقتصادي والمحافظة على الاستقرار النقدي والمالي.
ونتيجة لذلك، تُشيد تقارير بعثة خبراء صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف العالمية، بهذه القرارات، مع الأخذ بالاعتبار أن تخفيض سعر الخصم في الكويت للمستويات الحالية يستقيم مع قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بتاريخ 15 مارس 2020 والذي خفّض سعر الفائدة على الدولار بواقع 1 في المئة.
وما يستحق الإشارة إليه هنا، أن التجربة أظهرت أن بنك الكويت المركزي لا يتردد في التدخل، واتخاذ التدابير المناسبة على صعيد تطبيق أدوات السياسة النقدية وأدوات السياسة الرقابية، من أجل ترسيخ دعائم المحافظة على الاستقرار النقدي والاستقرار المالي.
علاوة على أن هذا الإجراء، يعزز انسياب التدفقات النقدية في ما بين القطاع المصرفي وقطاعات الاقتصاد الوطني، ويحافظ في ذات الوقت على جاذبية الدينار الكويتي كوعاء مجزٍ وموثوق للمدخرات.
6- تستبعد المصادر أن تتحوّل الفائدة الممنوحة محلياً على ودائع الأفراد مستقبلاً إلى سالبة، وتعتقد أن المسألة وقتية ومرتبطة بظروف استثنائية، فالوادئع الشخصية تتمتع بوزن كبير في تقييمات البنوك وفقاً لمعايير بازل 3، وأهميتها مضاعفة عن الشركات، ولذلك تحظى البنوك الكبرى التي تستحوذ على حصص سوقية مؤثرة من ودائع الأفراد على هامش أوسع في التحرك، بخلاف البنوك الصغيرة التي تضطر أحياناً إلى دفع كلفة أكبر لتعويض واقع محفظتها الصغيرة.
ويفسر هذا السبب تباين الأسعار بين البنوك، وعدم استغلالها انخفاض الطلب على الأموال الشخصية بتوحيد الأسعار، حيث المحدد الرئيس لسعر الفائدة حتى ولو رخيصة، مدى حاجة البنك لوديعة العميل، وهذا نسبي ويختلف من فترة لأخرى، ومن بنك لآخر.
الفائدة السلبية غريبة لكن هناك مَنْ يطبقها
تُعتبر فكرة الفائدة السلبية غريبة إلى حد ما، وقد تبدو فكرة خارجة عن المألوف، نظراً لمخالفتها المبدأ الأساسي للفائدة، حيث يعتبرها البعض فكرة مناقضة لمبادئ التمويل الأساسية، إلّا أنها أصبحت في الآونة الأخيرة ركيزة أساسية في السياسة النقدية للمصارف المركزية في العديد من الدول.
ويُعد البنك المركزي الأوروبي أوّل مَنْ طبّق نظام الفائدة السلبية في يونيو من 2014، وقد طبقتها السويد في فبراير 2015، وبدأت اليابان بتطبيقها في يناير 2016 بهدف تحفيز النمو الاقتصادي، بينما اتبعت سويسرا هذه السياسة بداية 2015، بهدف كبح ارتفاع العملة.
وتهدف المصارف المركزية من اتباع مبدأ الفائدة السلبية، أي فرض «الفائدة» على الودائع، إلى تشجيع الإقراض والنشاط الائتماني والاستثمار والإنفاق، ما يحفز الاقتصاد ويرفع معدّلات التضخم التي تتراجع في ظل الركود الاقتصادي.
وتبرّر المصارف المركزية هذه الخطوة، على أنها المسرّع للعجلة الاقتصادية، لأنها تؤدي إلى زيادة الاستثمارات، وبالتالي الإنتاج، ما يؤدي إلى خلق وظائف جديدة.
الاحتفاظ بالأموال نقداً أفضل من إيداعها أحياناً
أظهرت بيانات البنك المركزي الألماني أخيراً، وجود 43.4 مليار يورو (47.6 مليار دولار) نقداً في البنوك الألمانية، الأمر الذي تسبّب بمشكلة كبيرة تتعلّق بتخزين هذه الكمية الضخمة من النقود، والحاجة الملحة للعـثور على خزائن جديدة حتى لو تطلّب الأمر الاعتماد على شركات خارجية.
وهذا المبلغ أكبر بثلاثة أضعاف مما كان عليه في شهر مايو 2014، ويعود ذلك إلى وضع البنك المركزي الاوروبي لأسعار فائدة سلبية.
ونقلت صحيفة «lesechos» الفرنسية عن وكالة «أندرياس شولز»، التي تُدير بنك ادخار بالقرب من برلين، وصفها للأمر بالمثير للسخرية بسبب عواقب سياسة سعر الفائدة الذي أقرّه البنك المركزي الأوروبي، وأضافت «من الأفضل في هذه الأيام الاحتفاظ بالأموال نقداً بدلاً من إيداعها لدى البنك المركزي الأوروبي، رغم العواقب الخطيرة المتمثلة بتكاليف التأمين والمشاكل اللوجستية».
ووفقاً لجمعية البنوك الألمانية، فإن الودائع ستكلّف المؤسسات المصرفية في البلاد 2 مليار يورو سنوياً، وكشف تحقيق برلمانى حول أسعار الفائدة السلبية، أن القطاع المصرفي دفع 2.4 مليار يورو للبنك المركزي الأوروبي في عام 2018 مقابل رسوم الإيداع.