عاشق الثلج – بقلم : بندر المعطش
كلما مد الحق سبحانه بأعمارنا واجهنا أنماطا بشرية لا نكاد نفهمها أو نفهم ما تصبو إليه، فمنهم من يتبنى آراء هي أقرب إلى الاعوجاج أو أعراف هي كالتخاريف لا يفهمها ولكنه يعمل بها، وكأن لسان حاله يقول «اللي مش عاجبه يخبط راسه بالحيط»، حتى وصل معظمنا إلى حالة من التبعية المفرطة لكل ما هو غير منطقي، حتى أصبح الحال عند بعضهم كحال الرجل الذي خرج من منزله بعد أن هدأت عاصفة ثلج ووجد أطنانا من الثلج تغطي كل ما يستطيع بصره أن يصل إليه، فبدأ بصناعة امرأة من الثلج، وأجاد في صنعها، حتى تخيل أنها كادت أن تنطق من فرط دقتها، وكان الرجل في كل يوم يضيف إليها ما يزيد جمالها وروعتها، وساور هذا الرجل شعور أعجبه تجاه فتاة الثلج التي صنعها وبدأ يجالسها ساعات طوال ويقرأ لها القصص ويحدثها عن نفسه كأنها كائن حي يعي ويتقبل ما يقول، وتدرج في شعوره تجاهها من شغف مرورا بالوجد والهوى والصبوه والنجوى والشوق إلى آخر درجات الحب الاثنتي عشرة والتي تم وصفها بلغتنا العربية.
ثم بدأت الأشجار تنفض معطف الثلج الذي كساها وبدأت الشمس تنثر أشعتها على أرجاء المعمورة، وبدأت فتاة الثلج تذوب شيئا فشيئا ولم يتقبل الرجل أن تذوب محبوبته، فبدأ بنقلها إلى أعلى الجبل حيث الثلج وبنى لها بيت منه لحمايتها من أشعة الشمس ليقوم بترميمها فرجعت جميلة كما كانت او كما وعد نفسه أن يبقيها خالدة خلود عشقه وهيامه ولكن من ذا الذي يستطيع أن يقف أمام منطقية الطبيعة التي نسجها الخالق سبحانه خصوصا من كان بلا منطق في أفعاله، فرجعت الشمس تذيب كل ما حوله، وبدأت دورة الحياة تأخذ مجراها، فذاب بيتها وذابت فتاة الثلج وذاب الثلج كله، وعندما رأى العاشق أحلامه تتبخر أمامه عزم على حرق الغابة التي بأعلى الجبل لعل دخان اشتعالها يتكثف ويتساقط الثلج مرة أخرى ليسترجع محبوبته ضاربا بعرض الحائط كل فائدة مرجوة من وجود الغابة وأهميتها لباقي محيطها من الكائنات العاقلة وغير العاقلة، إلى أن وصل إلى النتيجة الحتمية والمنطقية بأن احترق ومات وهو بانتظار الثلج.
هناك من هم على شاكلة عاشقنا يرون المنطق فيما يفعلون وفيما يسعون إليه بل يذهبون إلى ما وراء اللامنطق لإثبات صحة اعتقادهم وثبات موقفهم فهم من اخترع الوهم وهاموا به عشقا أو قام من له مآرب أخرى بتزيينه لهم ودافعوا عنه بكل شراسة، وقد يذهبون إلى حرق كل شي لمجرد إثبات صحة أفعالهم، وأقول لهم إن بلدي شمس وأهلي أشجار شامخة باسقة غير قابلة للحرق ليتساقط ثلج أوهامكم.
يقول شكسبير «أسوأ العقول عقل يرفض كل شيء أو يقبل كل شيء.. يذكرني بمحطات القطارات باب للدخول وباب للخروج ولا يبقى فيها أحد».
أدام الله أشعة الشمس التي تذوب كل وهم ولا أدام فتاة الثلج وعاشقها.