جرائم عائلية في لبنان.. ولا في أفلام الرعب … قطّع شريكة حياته ووضعها في أكياس
قَتَل زوجته خنْقاً.. رجل قطّع شريكة حياته ووضعها في أكياس وثالث هاجم زوجته وسدّد لها طعناتٍ بخنجر في أنحاء مختلفة من جسدها وصعقها كهربائياً.. والد ذبح طفلته، وزوجة أب قتلتْ طفلةً بعد تعذيبها وشقيقتها، ابنةٌ أردتْ والدتها، وامرأة خنقت أمها بدافع السرقية، وابن آخَر قتل أمه وشقيقته.
هذه عيّنةٌ من سلسلة “جرائم عائلية” يشهدها لبنان بوتيرةٍ مضطردة وأطلقت وتيرتُها ووقائعها المخيفةُ جرسَ إنذار مدوياً بإزاء ما يعيشه المجتمع اللبناني وما يجري خلف جدران بيوتاتٍ سكنها الموت قتْلاً وكُتبت فيها قصصُ جرائم ولا في أفلام الرعب.
ويكاد لا يخلو أسبوع واحد من دون أن تضجّ وسائل الإعلام بذكر جريمة عائلية مروعة، غالباً ما يكون ضحاياها من النساء أو الأطفال، يدفعون أرواحهم ثمن جرائم تتّصل إما بـ “ذكورية مفرطة” وموروثات اجتماعية، أو بعنف متوحّش، ويحاول البعض، عن قصد أو غير قصْد، منْحها “أسباباً تخفيفية” عبر ربْطها بالواقع “المدمّر” الذي يعيشه لبنان وشعبه مالياً واقتصادياً وصولاً إلى ظروف الحَجْر المتكرر لزوم محاولة احتواء وباء “كورونا” وما تشكّله كل هذه العوامل من ضغوط نفسية.
زينة كنجو، اسمٌ طبع يوميات لبنان أخيراً، هي التي قتَلها زوجها ابراهيم غزال خنْقاً في منزلهما الزوجي بعدما كانت تقدّمت بدعوى عنف أسري ضده، ولكن الجريمة كانت أسرع وسرقت الصبية من عزّ أحلامها التي حقّقت بعضَها جمالياً بحصْدها لقب ملكة الأناقة في مسابقة جمال محلية للعام 2020.
وبعد زينة، صُعِقَ لبنان في الساعات الماضية بجريمة لا تقلّ فظاعة تركتْ شابة في عمر الـ 25 من عمرها معلّقة بين الحياة والموت في غرفة العناية الفائقة بعدما “تَفَنَّنَ” زوجها “المفترس” في تعذيبها بغاية القتل.
هي لارا ش. (تعمل ممرّضة في إحدى المستشفيات) التي “كَمَنَ” لها زوجها سامر.س (تم توقيفه) على مدخل منزل أهلها الذي انتقلت إليه مع طفلتها قبل نحو عام بعد تعنيف متمادٍ قبل أن ترفع دعوى شرعية ضده هو الذي يرفض منحها الطلاق مطالبة بنفقة لها ولابنتها.
ولكن سامر، الذي ردّ بدعوى “إطاعة ومساكنة” لإجبار لارا على العودة إليه لم يكتفِ بذلك، بل تعمّد انتظار والدة طفلته قبيل توجّهها الى عملها صباحاً وكأنها “فريسة” انقضّ عليها بوحشية في محلة حي السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت مستعيناً بأدواتٍ وحشية من خنجر حربي وسكين ورذاذ حارق وعصا كهربائية إضافة إلى “بوكس حديدي”. وقد سددّ ضربات لـ لارا على رأسها وطعنات حدّد الطبيبان الشرعيان عددها بسبع “إحداها وصلت إلى الكبد والرئة، إضافة إلى الصدر وتحت الإبط الأيسر والأيمن وفي أعلى الكتف الأيسر وفي ظهرها، كما أنها ضربت ببوكس حديد على وجهها”.
وقبل زينة ولارا، عُثر (قبل نحو شهر) على جثة شادية وهي امرأة سورية الجنسية، مقطّعة وموضوعة في أربعة أكياس، داخل حفرة للصرف الصحي في بلدة ماسا في البقاع الاوسط، وتبيَّن فيما بعد أن زوجها هو الجاني بعدما أقدم على إطلاق النار على نفسه أمام مستشفى رياق إثر العثور على جثة زوجته.
هن نساء يتعرضن للقتل بوتيرة مضطردة ولكن قد تنقلب الآية في بعض الأحيان، لتكون المرأة هي الجانية او المحرِّضة في الجرائم العائلية. ففي منطقة الشوف الجبلية أقدمت امرأة قبل أشهر، على قتل طليقها في منزله ثم سلّمت نفسها لمخفر الدرك في المدينة. وحضرت الجانية إلى بيت زوجها السابق بسيارة أجرة، وأطلقت عدّة رصاصات عليه وكانت إحداها قاتلة في الصدر. ثم قادت سيارته إلى مخفر الدرك حيث اعترفت بارتكاب الجريمة وبأنّ طليقها دمّر حياتها، وأنّه جرّها بعد الزواج منه إلى تعاطي المخدرات وممارسة الدعارة، وأنّه بعد طلاقها منه دأب على تهديدها بنشر فيديوهات فاضحة لها، ما دفعها إلى ارتكاب جريمتها بدافع الانتقام.
أطفال في قبضة أهل قتلة
وليست النساء فقط ضحايا الجرائم العائلية والعنف الأسري، بل أيضاً الأطفال. ففي جريمة من الأفظع، أقدم أبٌ على ذبح ابنته البالغة من العمر 4 سنوات … انتقاماً من والدتها.
وفي تفاصيل هذه الواقعة التي تفوق التصور في فظاعتها، لم يتوانَ عبد الرحمان جليلاتي عن ذبح ابنته بسكين وحاول طعن نفسه إثرها بعدما قام بتصوير الجريمة بالفيديو وإرساله إلى شقيقة زوجته الموجودة في ألمانيا، قائلاً لها “فرجي الفيديو لأختك لتشوف شو عملت ببنتها”.
والدة الطفلة فلسطينية منفصلة عن زوجها الذي يرفض أن يطلّقها، وهي أكدت أن طليقها جاء ليأخذ الطفلة ليشتري لها لعبة، فطلبت منها البقاء لأنها مريضة، لكن الطفلة أصرّت على شراء اللعبة مع والدها، فأخذها ورحل وارتكب جريمته في غفلة عن الإنسانية والأبوة.
وفي جريمة هزّت أيضاً الرأي العام اللبناني في الصميم قُتلت طفلة على يد زوجة أبيها التي صبّت وحشيّتها على ابنتيْ زوجها: أنجلينا 9 سنوات وتريسي التي لم تتجاوز السنوات الثلاث من خلال ضربهما وإحراقهما بالسيجارة. وجاء مقتل أنجلينا نتيجة ضربة قوية تلقّتْها على الرأس إثر رميها على الأرض بعنف. وكانت زوجة الأب سكبت الماء المغلي على قدمي شقيقتها تريسي لتُنقل إلى المستشفى ويتمّ الكشف حينها عن الجريمتين.
وكاد مقتل أنجلينا يبقى طي الكتمان والتستر في ظل انشغال الأب بعمله لو لم تبادر إحدى السيدات إلى التبليغ عن الأمر سراً لتخرج المأساة الى العلن مع الإعلامي جو معلوف وتكون نموذجاً أسود لِما يحدث خلف الجدران المقفلة من عنف تجاه الأطفال يكاد لا يشعر به أحد.
فلذات أكباد قاتلة
وإن كنا نتحدث عن جرائم أسرية مروّعة تحدث في لبنان، فإن أبطالها كما ضحاياها ليسوا دائماً من اللبنانيين بل قد يكونون في أوقات كثيرة قاطنين فيه من نازحين سوريين أو لاجئين فلسطنيين، كما أن الفاعلين قد يكونون، وإن في حالات نادرة، من الأبناء المراهقين أو البالغين الذين يقتلون أماً أو شقيقة أو الاثنان معاً.
… الطفلة مهى البالغة من العمر 5 أعوام وهي سورية الجنسية، قضتْ بعد تعرضها للضرب المبرح من والدها. وكانت مهى وصلت بعد منتصف الليل إلى المستشفى الاسلامي في طرابلس وهي بوضع صحي حرج وما لبثت أن فارقت الحياة ليتبين وجود آثار ضرب مبرح على جسدها. وأوقفت القوى الأمنية والدها وزوجة والدها وفتحت تحقيقا بالحادث.
وفي جريمةٍ شنيعة أخرى، أقدمت امرأة سورية مقيمة في لبنان وبمساعدة زوجها على خنق والدتها التي تبلغ الخمسين من عمرها بعد تكبيل رأس الضحية ويديها وقدميها بشريط لاصق ثم فرا عبر الحدود. والمؤلم في الأمر ان الجريمة التي ارتكبت على يد فلذة الكبد كانت بدافع السرقة.
أما الواقعة الأكثر دراماتيكية، فكانت قيام فتاة يافعة لم تتعدّ الرابعة عشر من عمرها بقتل والدتها عبر إطلاق 9 عيارات نارية عليها بحجة أن أمها “كانت تعنّفها دائماً”.
وفي التفاصيل أن المُراهِقة استغلت نوم أشقائها ووجود والدها خارج المنزل، وحملتْ مسدساً وتوجهت نحو والدتها لتصيبها في قلبها وزندها وساقها وبطنها. وبحسب رواية بعض الشهود، ربما استفاقت الطفلة على ما جنته يداها فألقت بالمسدس على أريكة وسارعت إلى منزل الجيران تخبرهم أنها وجدت أمها مقتولة، لكن كاميرات المراقبة أظهرت أن أحدا لم يدخل المنزل، و كان إطلاق النار “عشوائياً”، ما رجح أن يكون الجاني أحد أفراد العائلة. وبالتحقيق معها، اعترفت الفتاة بالجريمة، وتم القبض عليها هي ووالدها لمواصلة التحقيق.
وعلى فظاعتها تكرّرت جرائم قتل الأهل أكثر من مرة في مناطق مختلفة في لبنان. ففي بلدة جديتا البقاعية أقدم شاب على إطلاق النار فجراً من مسدسه الحربي باتجاه والدته وشقيقتيه، ما أدى إلى مقتل الوالدة وإحدى الشقيقتين على الفور وإصابة الأخرى بطلق ناري في الرأس. وقامت القوى الأمنية بالقبض على الجاني وضُبط بحوزته مسدس حربي مجهز بكاتمٍ للصوت ما يترك المجال للاعتقاد بأن الجريمة كانت مدروسة ومخطط لها وليست فعلاً عشوائياً وليد لحظته.
الجرائم العائلية … كيف يفسرها علم الاجتماع وعلم النفس؟
الاختصاصية في علم الاجتماع شانتيل كرم تحلل ظاهرة الجرائم الأسرية من منطلق علم الاجتماع قائلة “إن العنف موجود في كل المجتمعات وقد وجد البشر طرقاً للجمه من خلال العدالة والنظام والدولة. واليوم نجد أن المجتمع في لبنان بات يختزن كمّاً كبيراً من العنف وذلك لأسباب عدة أولها:
تَراجُع قوة الدولة بحيث لم تعد تُعتبر مرجعية بالنسبة للكثيرين. وغياب الدولة يعني أموراً كثيرة منها تفشي السلاح في أيدي الناس واستسهال استعماله إضافة الى شعور المواطنين بأن ثمة تواطؤاً بين الطبقة السياسية والاقتصادية على سرقة موارد البلاد وأموال الناس بحيث لم يعد المواطنون قادرين على إشباع الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم ما ولّد لديهم غضباً مكبوتاً وشعوراً بالغبن والذل وكأنهم في شريعة الغاب بدون اي سلطة تحميهم.
يضاف الى فقدان هيبة الدولة تفكك الروابط الاجتماعية انطلاقاً من تفكك الوحدة الأساسية للمجتمع التي هي العائلة ولا سيما بالنسبة للنازحين السوريين. وهذا التفكك يعني تشتت روابط الدم وغياب وظيفتها الأساسية في لمّ الشمل، وهو ما يفسر ازدياد الجرائم العائلية.
وأخيراً تفشي الممنوعات التي تؤثر على قدرة المرء على الإدراك الصحيح والتصرف وفق معايير الوعي والمنطق وخصوصاً مع اضطرار الناس الى التزام منازلهم، وما يسببه ذلك من ضغط نفسي وعَصَبي على المدمنين الذين يلجؤون الى العنف على مَن حولهم في غالبية الأحيان.
من جهتها، تعتبر الاختصاصية في علم النفس العيادي جوستين أبو جودة ان ما نعيشه راهناً في مجتمعنا اللبناني من حالات جرائم قتل، إنما هو أمر نراه في كل المجتمعات التي لا تطبق القوانين المتعلقة بمعاقبة مرتكبي الجرائم “فالفلتان الأمني وغياب تطبيق القوانين ذات الصلة بالجرائم، هما سببان رئىسيان في تنامي ظاهرة الجريمة على أنواعها وهذا من شأنه أن يدفع بالانسان الى التفلت من كل القيود، وبالتالي اتباع غريزته، فيصبح بطبعه أقرب الى الواقع الحيواني أكثر من جانبه الانساني، فيقتل من دون رادع. هذا إضافة الى الضغوط التي تحيط بالمواطنين يومياً بسبب الأزمة الأمنية والاقتصادية والصحية التي يعيشونها وتدفعهم الى تصرفات قصوى وتكرّس العنف في شخصياتهم لا سيما حين يرون ان العدالة لا تنصف إلاّ الأقوياء والمدعومين، فيما المظلوم والضعيف لا يجد مَن يسنده لذا يعمد الضعيف المعنف الى مواجهة الظلم والعنف الذي يتعرض له بعنف مُضاد”.
وتضيف: هذا على الصعيد العام أما على الصعيد الخاص فمن حيث المبدأ، الانسان في حالته العقلية والنفسية السوية والسليمة لا يقدم على القتل. ومَن يقتل، إما يعاني في الأساس مرضاً معيناً، أو يمرّ بفترة مَرَضية ضاغطة يضيع في خلالها نهائياً، فيمكن أن يرتكب جريمة قتل. فالمصاب بالهذيان الاكتئابي او بالبارانويا قد يزداد عنده منسوب الاكتئاب او قد يضيع بين الواقع والتخيلات في ظروف معينة، فيعمد الى قتل أولاده مثلاً او المقربين منه ليخلصهم مما يراه في هذيانه جحيماً وقد يعمد بعدها الى الانتحار للسبب نفسه”.
العنف الأسري.. 97 بالمئة زيادة
تنوّعت الجرائم العائلية وتعددت أسبابها وإن كان للنساء الحصة الأكبر فيها. وفي آخر تصريح له كشف العقيد جوزيف مسلم رئيس شعبة العلاقات في قوى الأمن الداخلي اللبناني ان وتيرة العنف المنزلي قد ارتفعت بنسبة 96.5 بالمئة وان شكاوى العنف الأسري قد بلغت من شهر فبراير 2020 الى فبراير 2021 ما يقارب 1468 و بلغ عدد الجرائم في الفترة نفسها 7 جرائم خلفت 10 قتلى.
وقالت منسّقة الدعم في منظمة “كفى”، سيلين الكك إنّ عدد الاتصالات التي وردت إلى خطّ الطوارئ في المنظمة زاد ثلاثة أضعاف منذ مارس 2020، وهو تاريخ دخول لبنان مرحلة الإقفال الكلّي، لافتة إلى أنّ 1360 سيّدة جديدة، أصبحن يتعاملن مع اختصاصية اجتماعية خلال هذه الفترة. وأشارت الى أن العنف بشكل عام تزداد وتيرته خلال الأزمات، وهو ما ينعكس للأسف على النساء، وأحياناً يصل إلى حد القتل، وآخر حالتي قتْل سجلتا خلال 2021، وهما جريمة عكار في شمال لبنان حيث عثر على جثة امرأة تعرّضت للضرب على الرأس، وتبيّن أن القاتل ابن شقيقة زوجها الذي حاول التحرّش بها، لكنها منعتْه، وجريمة قتل الشابة زينة كنجو المتّهَم فيها زوجها.