المؤرخ الكويتي خالد طعمة الشمري يكتب :” أكوات مدينة الكويت “
لمدينة الكويت أكوات أخرى غير كوت ابن عريعر ، و من الواجب علينا ذكرها إذ أن أهل الكويت توسعوا في استخدام كلمة الكوت ، فصاروا يطلقونها على البناء الذي يتزودون منه بالماء ، و هو بناء مربع (حوطة) تكون مزروعة و بداخلها بئر أو مجموعة من آبار الماء يتزود الناس منها ، و من الأكوات التي عرفت داخل مدينة الكويت : كوت الدخيل ، كوت الجراح، كوت المزيد ، و كوت الغيث ، و تقع هذه الأكوات من بعد المستشفى الأمريكاني وتتسلسل حتى تصل إلى مدرسة عائشة الابتدائية (مبنى توجيه التربية الموسيقية التابع لوزارة التربية اليوم ) انتهاءً إلى فندق المريديان اليوم بالقرب من مجمع المثنى ، و قد ذكرها الملا عمر الملا و الباحث محمد البكر .
و قد أعطى المؤرخ غانم الغانم شرحاً للمنطقة المقصودة و ما حولها و قال : ” كان شارع الجهراء قديما على جنبيه الشمالي و الجنوبي لا يوجد به الا كم بيت بدائي بداخله أكوات و غرف تحيطها الحوط من الطين المخمر . و أما باقي الحوط فلم يسكنها أحد ما عدا كم مزرعة بها آبار الماء فمنها خاص للمواطنين و منها يروى منها ماء الشرب. و كان في موقع الخطوط الجوية الكويتية الحالي و ما يقابله توجد آبار ماء صالحة للشرب ، فمنه يباع على المواطنين . ثم اشترى الآبار أحد الخيرين و ما يحيط بهذه الآبار و جعل ماءه ((سبيل )) للحمارة و غيرهم لشرب البهائم و الجمال و غيره … و لم يكن أيضا فندق مرديان انما على جنباته ((حوط)) منها شبه مسكون وخالي و أراضي شاسعة “، و يقول أيضاً : ” أهل جبلة يتزودون من مياه آبار المزيد و البدر و السميط و الخالد و الغيث و العبد الجليل و البدر و بعض المواقع المهمة مثل مدرسة صلاح الدين ( الداخلية حاليا حتى قصر دسمان لأن هذه المنطقة كلها مزارع و تروى من آبارها ، وفائض هذه المياه تباع بالأسواق فمنها سوق ماي المسيل يباع بالجملة و على ظهور الحمير ، وسوق الماي بداخل سوق الخضرة و على زاوية دكان محمد المحميد ، وهذا الماء يباع على العطاشا (بآردي) و الآردي ثلث البيزة ( والبيزة تساوي خمسة فلوس) و هناك سوق بساحة أو براحة سكة ابن دعيج فالماء يقدم للعطاشا بدون مقابل و يسمى سبيل الدعيج ” ، و سوف نأتي الآن إلى ذكر كل كوت على حدة .
كوت الدخيل ، كنا قد رجحنا من قبل أن موقع كوت ابن عريعر هو الواقع في منطقة تل بهيتة ، و بينا أن من ذكروا لنا موقع الكوت يقع في المستشفى الأمريكاني لم يخطؤا ، لأن هذه المنطقة يقع فيها بالفعل كوت ، لكنه ليس كوت ابن عريعر إنما هو كوت الدخيل و يعود إلى صاحبه سلطان الدخيل ، و كان يطلق عليه في السابق النفود الصغير و هو تل صغير يطل على البحر كما كانت هذه المنطقة بأكملها يطلق عليها الوطية ، و في هذا يقول غانم الغانم : ” هذه الأرض و ما جاورها من اراضي عديدة كان يملكها عدة اشخاص من الرعيل الاول اذكر منهم ناصر البدر الناصر البدر و آخرهم حمد الناصر البدر و تجاور تلك الاراضي اراضي منها يملكها السيد عبدالوهاب النقيب و احمد العبدالجليل و فهد السميط و آل الغيث و بعض المواطنين ، و تلك الارض الشاسعة التي اكثرها رمال ثخينة ممتدة من ساحل البحر حتى شارع الجهراء قديما ( فهد السالم) وبالاربيعنات كانت اكثرها اراضي خالية من السكان ماعدا مساءً كانت تستعمل كاستراحة و مناماً … موقع الوطية فمن الشرق يحدها المستشفى الامريكاني و من الغرب يحدها اطلال السور و القولة اي القلعة و من الجنوب كنائس و مباني و شوارع متعرجة و حتى موقع فندق الشيراتون قديما كأرض خالية من الجهة الجنوبية الغربية و اما من الجهة الجنوبية الشرقية اكثرها حوط بها مزارع و تربى بها بعض المواشي ” و يذكر أيضاً : ” المرتفع الشرقي استغل لبناء المستشفى الاميركاني بسنة 1913 … ارتفاعه عن سطح البحر بمساحة لا تقل عن 5 امتار ” .
كوت ا لجراح يقع هذا الكوت في المنطقة الممتدة من بعد المستشفى الأمريكاني و التي تمر بمدرسة عائشة الابتدائية حتى فندق المريديان ، و يسمى هذا الكوت بكوت الجراح أو كوت ابن جراح و قد سألت عنه أ.د/ عبدالله الغنيم الذي بين لي أنه نسبة إلى سليمان الجراح و الذي من ذريته العالم الجليل محمد الجراح و كل من الشعراء إبراهيم و داوود الجراح .
و وفق ما ذكر الملا عمر الملا فإن الكوت قد يكون بالسابق للأقعس أو بالقرب منه .
كوت المزيد ينسب هذا الكوت إلى أسرة المزيد ، و يقع قرب حوطة حمد السميط و داخل المنطقة الممتدة من بعد المستشفى الأمريكاني و التي تمر بمدرسة عائشة الابتدائية حتى فندق المريديان وفق شرح الملا عمر الملا.
كوت الغيث أو كوت بن غيث سمي بهذا الاسم نسبة إلى أسرة الغيث، و كان يطلق عليه قديماً كوت طلب العنزي ، حيث كان مالكه قبل أن يبيعه على ابن غيث بمبلغ 300 ريال فرنسي وفق ما ذكره الملا عمر الملا ، و يقع الكوت اليوم في فندق المريديان وفق ما ذكره الباحث محمد البكر .
أوصاف أخرى لأكوات المدينة ، ذكر لنا الدكتور عماد العتيقي كوتاً آخر يطلق عليه اسم الكوت القبلي البري و الذي من خلاله شرحه و وصفه له أعتقد بأنه أحد الأكوات التي ذكرناها و إليكم ما جاء في شرحه : ” الكوت القبلي البري ورد ذكر هذا الكوت في عدد من الوثائق الشرعية نرفق إحداها المؤرخة عام 1337 ( وثيقة عدسانية لبيع بيت في محلة الكوت مؤرخة في 23 ذي الحجة 1330. وزارة العدل . الكويت) . ويقع الكوت محاذياً لجادة الجهراء التي اشتق منها لاحقاً طريق الجهراء موازياً لها شارع فهد السالم . وكانت تلك المنطقة مليئة بالقلبان التي يجلب منها الماء و تحتوي على حوط بعضها مسور لتخزين الماء و الأزواد . ثم امتدت إليها يد العمران فصار الموقع يعرف بمحلة الكوت … قلبان الكوت تعود ملكيتها سابقاً إلى مصارع بن ثنوان العنزي و فرحان البراك . ثم اشتراها و الأرض التابعة لها ملا ابراهيم بن محمد صالح بن يوسف العدساني في 24 ذي القعدة عام 1337 (21أغسطس 1919م) من ورثة ابن مصارع وورثة ابن براك . وتوضح الوثيقة أن المقصود بالكوت هنا هو القلبان ذاتها و الأرض التابعة لها ” ، ذكر العتيقي أيضاً الكوت القبلي البحري و هو الذي قلنا بأنه كوت الدخيل عندما شرح وثيقة مؤرخة في رمضان 1229ه و المتعلقة بشراء مرزوق الجويسري حضرة صيد أسماك من حزيمة زوجة ناصر بن شبانة و قال حولها : ” يحدها من القبلة الحضرة المسماة بالكشاشة و شرقاً الكوت . و أضاف أن تلك الحضرة محاذية للنقيان التي تلقب بنفدان نور من البر … و الوصف بشكل عام يتوافق مع ما نقلناه .. أن الكوت يقع على نفوذ صغير بني فوقه لاحقاً المستشفى الأمريكاني “.
أكوات الوقيان ، ذكر لنا العتيقي في دراسته أكواتاً أخرى في شرق عند شرحه لمبايعة قلبان حصلت في 13ربيع الثاني 1332ه الموافق 10/3/1914م بين منيرة بنت مطلق المطيري و زاير لفتة علي و زاير محمد كمال والتي قال عنها : ” لا تذكر الوثيقة كوتاً و لكن ورد ما يفيد بوجود كوت أو أكوات للوقيان قديمة في عدة أماكن بالكويت و مقتضى الحال يستدعي وجود كوت قريب من القلبان . و قد تم الكشف مؤخراً عن آثار مجموعة قلبان متجاورة في حي الشرق بالكويت تقع غرب مسجد أحمد بن عبدالله بما يؤكد وجود أكوات قديمة في الشرق”.
أكوات خارج مدينة الكويت ، ذكر لنا المؤرخ حمد السعيدان أكواتاً خارج المدينة و عدد بعضاً منها و هي : كوت الشامية ، و كوت الهويدي ، و كوت السهول ، كما ذكر أ.د / عماد العتيقي أكواتاً في منطقة الشامية و هي : كوت المقهوي، و كوت ابن نويف ، و كوت السهول .
من خلال التقصي و البحث فإن مصير الأكوات كان شأنه شأن بقية المباني القديمة التثمين و الإزالة حتى لا تكون عائقاً أمام طريق التطور العمراني الذي شهدته الكويت ، و كان ذلك في عقد الخمسينات من القرن العشرين .
وصلت معكم إلى نهاية الرحلة التي حاولت أن أبين من خلالها القيمة التاريخية الهامة للكوت في تاريخ الكويت ، الاسم الذي لم يتخل عنه الكويتيون ، بل ظلوا محافظين على استخدامه في حياتهم اليومية حتى دخل عليها التطور و العمران بأشكاله كافة .
و لا يسعني في الختام إلا أن أنادي بضرورة إقامة مجسم تاريخي يحكي للأجيال الحالية و القادمة قصة الكوت الذي أصبح الكويت ، و ما لحقه من أكوات ، و محاولة حصرها بشتى المصادر الممكنة و عرض هذه المصادر في ركن من أركان أحد متاحف الكويت الجميلة .
خالد طعمة
مؤرخ كويتي