في الذكرى الثلاثين للتحرير من براثن الغزو العراقي الغاشم على أراضي الكويت الطاهرة، نستذكر تضحيات وبطولات من قتلوا في سبيل الله دفاعاً عن الوطن. ولا ننسى ما سطّره الشعب من خلال ملحمة الصمود والمقاومة الوطنية، وما قدّمه من أرقى صور الإخلاص والولاء للوطن. لقبت الكويت درّة الخليج، ولكن سرعان ما تلاشت هذه التسمية لدى الكثير بعد الغزو! كتب الكثير، ومنهم الأخ الدكتور بدر السيف، عما آلت إليه الأمور وما نعيشه من «غزو داخلي» في ظل ما نشهده يوماً بعد يوم من فضائح الفساد ونخرها في معظم مؤسسات الدولة. التعليم يعاني من مجاعة، حيث إن أكثر من نصف الأطفال في المرحلة الابتدائية ذوي السنوات العشر لا يقرأون ولا يفهمون النصوص البسيطة. بل أتت الجائحة لتعمّق جراحه بمرور أكثر من عام على إغلاق المدارس رغم الجهود المباركة للقائمين على حملة «التعليم أولاً». ناهيك عن تراجع في بيئة البحث والإنتاج العلمي في الكويت، فقط لنتذكر أن جامعة الكويت خرّجت أجيالاً من القادة على المستوى الوطني والإقليمي على حد سواء، لكن أين نحن من تصنيف الجامعات في المنطقة؟ أما الاقتصاد، فيبدو أننا لم نستوعب الدروس ولم نفهم الإشارات! مازال الوضع غير مطمئن، اعتمادنا على مصدر يتيم للدخل وغياب البدائل وتطبيق الخطط الفعّالة لتعديل الوضع. لعل الجائحة لم تكشف مكامن الضعف فحسب، بل أوضحت بشكل جلي هشاشة النظم والمؤسسات جراء تراكمات الغزو الداخلي الذي ما زلنا نعيشه. نرى أيضاً صولات وجولات في معترك الحريات العامة والتعبير، فتارة نشهد إنصافاً وترسية لمبادئ عظيمة، منها ما نشر في صحيفة القبس لحكم محكمة الاستئناف التي «حثت أفراد المجتمع على ممارسة حرية التعبير بأمان وتشجيعهم على التعاطي معها باتزان، وإيجاد البيئة الملائمة لنمو هذه الحرية وتطورها على نحو يجعل منها أحد أهم المكتسبات الدستورية». لكن يبدو أن هذه الحريات مزعجة للبعض حتى غدت شمّاعة تعطيل التنمية وتراجعنا في التصنيفات، لكن نقول لهم: هيهات، فتلك مجرد أحلامكم! الكويت دولة دستور وقانون، وهذا ما تعاهد عليه المخلصون في المؤتمر الشعبي الكويتي الذي انعقد في جدة عام 1990. يجب أن نقوم بتأصيل حرية التعبير عن الرأي وعدم إقصاء الرأي الآخر، فهذه إحدى خصال الهوية الكويتية. نعم، بالتأكيد لكل قاعدة شواذ، فهناك من سيغلو في طرحه، ولكن الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية! لا يفوتني أن أسلط الضوء على جهود الشباب المميزين، أمثال فيصل العقل ومنيرة الشريفي، باستضافتهم لشخصيات متعددة من خلال برنامجهم المميز «بدون ورق» وتسليطهم الضوء على قضايا مجتمعية متنوعة بحوار مفتوح وجريء من غير تجريح. لأمثالكم نرفع العقال! نسأل الله عز وجل أن يتقبل شهداءنا الأبرار ويسكنهم الفردوس الأعلى، وأن يحمي هذه الأرض الطبية، وأن يكون في عون المخلصين لتحريرها من الغزو الداخلي ويعيدها درة الخليج رغماً عن أهواء الفاسدين والحاقدين، مستذكرين أبيات الدكتور غازي القصيبي رحمه الله «أقسمت يا كويت.. برب هذا البيت.. سترجعين من خنادق الظلام.. لؤلؤة رائعة.. كروعة السلام». عاشت الكويت حرة أبية. د. ضاري عادل الحويل
