كتب- أحمد الجارالله: ثقوب في ثوب حقوق الكاوبوي الأميركي
إذا كانت الإدارة الأميركية الجديدة قد اعتمدت على ظنون وكالة استخباراتها التي ساقها التقرير الشهير المتعلق بجريمة مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي، فهي لا شك بحاجة إلى قراءة متأنية لتاريخ الوكالة المشهورة بالفشل في تقديراتها الستراتيجية بدءا من فيتنام وليس انتهاء في إيران، لذلك فإن الركون إلى التخرصات الواردة في هذا التقرير والمتعلقة بولي العهد السعودي ليست أكثر من فخ منصوب لتوريط الولايات المتحدة بمشكلة مع أقرب حلفائها في المنطقة، وهي دول الخليج العربية، وليس السعودية فقط.
وفي هذا الشأن لا بد أن يكون الرئيس، المخضرم سياسياً، جو بايدن قد اطلع طوال عمله في الشأن العام على الكثير من الأدلة الأميركية بشأن تورط الـ”سي اي اي” بقتل قادة دول، وتدبيرها انقلابات في دول عدة أيضا.
لن نعيد تكرار ما قلناه بالأمس في هذا السياق، لكننا نسأل: ألا تعج صفحات المخابرات الأميركية بالبقع السوداء التي تجعلها أكثر جهة مدانة عالمياً على مستوى حقوق الإنسان؟
ألم تحاول 638 مرة اغتيال الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، بل أليست هي من قتل الرئيس الأميركي جون كينيدي عام 1963؟ وهوما كشف في الوثائق السرية التي نشرتها الصحف الأميركية قبل سنوات قليلة، فيما لا تزال الى اليوم تنكر معرفتها بذلك، إضافة الى اغتيال شخصيات عامة معارضة للسلطة كمالكوم إكس ومارتن لوثر كينغ.
وعلى مبدأ شر البلية ما يضحك، فإن واشنطن دائمة التحدث عن الديمقراطية وضرورة بناء نظام انتخابي ديمقراطي يسمح للشعوب باختيار حكامها بنزاهة وشفافية، لكن يبدو أن وكالة استخباراتها لا تلتفت إلى هذا، فقد أبرزت وثائقها الرسمية دورها الرئيس في الانقلاب الذي أطاح رئيس الوزراء الإيراني المنتخب محمد مصدق عام 1953، وكذلك مشاركتها في عام 1966 بإطاحة الزعيم الغاني كوامي نكروما، وهي شاركت ايضا في اعتقال الزعيم الجنوب افريقي نيلسون مانديلا عام 1961 والذي قبع في السجن 27 عامًا.
الوكالة ذاتها دبرت عملية اغتيال رئيس الإكوادور خايمي رودلس بحادث طائرة في مايو 1981، ورغم إنكار واشنطن رسمياً تورطها في الحادث إلا أن ساسة أميركيين كثرا يجزمون أنها من نفذتها، كذلك هي من اغتالت رئيس بنما عمر توريخوس في يوليو من العام نفسه بسبب معارضته للسياسة الأميركية، وقبلها تورطها بقتل الزعيم الكونغولي باتريس لومومبا،و لعل أبرز عمليات الاغتيال كان قتل الجنرال نغو دييم رئيس فيتنام الجنوبية، الذي كان حليفًا للولايات المتحدة، بل لعله كان حليفها الأول في فيتنام، إلا أن ذلك لم يشفع له.
أياً كانت الحسابات والأهداف التي تسعى إليها الإدارة الأميركية الجديدة من خلال إثارة الغبار حول السعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، فهي ستقويه أكثر، فـ” الرصاصة التي لا تقتلك تقويك”، والسعودية وقيادتها محمية بشعبها، وليست بحاجة الى حماية مستعارة.
لا شك أن التقرير الخلبي لن يغير من الواقع شيئاً، بل انه يؤدي الى مزيد من الوهن في العلاقات التاريخية بين دول الإقليم العربية والولايات المتحدة، واذا كانت واشنطن تعتقد أنها تمسك بالورقة الرابحة وهي السلاح، فإن دولاً كثيرة في العالم تبيع الأسلحة، وهو ما يعني أن على إدارة بايدن إعادة النظر في بناء سياساتها في المنطقة على تخرصات ومزاعم.