“تجارة المقايضة” تعيد الجزائر إلى العمق الإفريقي
بدأت الجزائر في جني ثمار سياسة إعادة الحياة لتجارة المقايضة (سلع مقابل سلع) في أربع محافظات جنوب البلاد، بعد سبعة أشهر فقط من إجازة هذه التجارة بشروط معينة.
والمحافظات المعنية هي: أدرار وإيليزي وتمنراست وتندوف الحدودية مع دولتي مالي والنيجر.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن مصالح مديرية التجارة بمحافظة أدرار (تقع في الجنوب الغربي) أنه تم تصدير بضائع محلية نحو السوق الإفريقية بقيمة تفوق 170 مليون دينار جزائري (أكثر من مليون و270 ألف دولار) في إطار تجارة المقايضة الحدودية خلال السنة المنقضية.
وصدرت تلك البضائع نحو مالي والنيجر وبلدان إفريقية أخرى مقابل ما قيمته 100 مليون دينار جزائري (نحو 750 ألف دولار) من الواردات.
تفاصيل تجارة المقايضة
وحسب المصدر ذاته، فإن الصادرات الجزائرية شملت: التمور والملح المنزلي ومنتجات بلاستيكية والألومنيوم والحديد والفولاذ ومنتجات صناعات تقليدية وبطانيات.
أما الواردات فقد شملت المواشي من إبل وأغنام وأبقار ومنتجات الحناء والشاي الأخضر والتوابل واللحوم المجففة إلى جانب الذرة البيضاء والأرز والبقول الجافة وبعض الأقمشة.
وقبل أسبوع تم تصدير 20 طنا من التمور، من محافظة إيليزي بأقصى شرق الجزائر، نحو مالي في إطار تجارة المقايضة الحدودية.
وتجارة المقايضة هي عبارة عن نظام لتبادل السلع بين أربع ولايات جزائرية وما يقابلها من الجارتين مالي والنيجر من دون معاملات مالية، ويتم وفق شروط محددة حيث تحظى هذه التجارة بإطار قانوني، ويستفيد منها سكان تلك المحافظات من المشتغلين على التجارة خاصة أن هناك علاقات اجتماعية قوية تربط بين سكان البلدان الثلاثة.
وبحسب مراقبين للشأن الاقتصادي، فإن الحكومة الجزائرية أعادت بعث الحياة في تجارة المقايضة مع وضع شروط جديدة بداية السنة الماضية، وهي خطوة في ظل بحث الجزائر عن عودة طبيعية إلى عمقها الإفريقي وإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، وكذلك لتنويع صادراتها في ظل صعوبة التصدير نحو الشمال أي القارة الأوروبية في ظل المنافسة القوية.
شروط ممارسة تجارة المقايضة
وطبقا للقرار الوزاري المشترك بين وزارتي التجارة والمالية الصادر في الجريدة الرسمية بداية أغسطس من السنة الماضية، فإن نشاط تجارة المقايضة الحدودية مع النيجر ومالي يشمل أربع محافظات فقط.
وينص القرار على أن تجارة المقايضة الحدودية “تكتسي طابعا استثنائيا وتستهدف تسهيل تموين السكان المقيمين في ولايات أدرار وإليزي وتمنراست وتندوف دون سواهم”.
ولا يمكن تسويق البضائع المستوردة في إطار تجارة المقايضة الحدودية خارج الحدود الإقليمية للمحافظات الأربع المذكورة.
وتقتصر تجارة المقايضة الحدودية مع مالي والنيجر بالنسبة للمنتوجات الجزائرية على بضائع منها: التمور الجافة ومشتقاتها باستثناء الأنواع الأخرى من دقلة نور، والملح الخام والمنزلي، والأشياء المنزلية المصنوعة من البلاستيك والالمنيوم والزهر والحديد والفولاذ، والبطانيات، وغيرها.
أما المنتوجات القادمة من مالي والنيجر فتقتصر على الماشية الحية من فصيلة الأبقار والأغنام والماعز والشاي الاخضر، والتوابل، وغيرها.
كما تشمل قائمة المنتوجات القادمة من مالي والنيجر كل منتجات الصناعة التقليدية والحرف، الجلود والجلود المعالجة، والعطور المحلية، والمنتجات غير المدرجة من الطب التقليدي غير المعتمدة، والفول السوداني، وغيرها .
تسويق السلع الجزائرية
وتجارة المقايضة وسيلة لتسويق السلع الجزائرية، خاصة أن البلاد تسعى لتكون المعبر الرئيسي للسلع والخدمات المختلفة لدول العمق الإفريقي من خلال ميناء الحمدانية (الواقع في شرشال غرب الجزائر العاصمة) والطريق شمال-جنوب الذي يربط شمال الجزائر بجنوبها الكبير.
ويقول أستاذ الإقتصاد في الجامعة الجزائرية، الدكتور عمر هارون، في تصريح لـ”موقع سكاي نيوز عربية” إن البعد الاقتصادي التقليدي والطبيعي للجزائر هو “الدول الإفريقية خاصة وهي تحضر لتكون المعبر الرئيسي للسلع والخدمات المختلفة لدول العمق الإفريقي من خلال ميناء الحمدانية وطريق شمال جنوب الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بعمق إفريقيا”.
لكن الانفتاح حسب هارون “اصطدم بوجود غياب كبير للسلع الجزائرية عن الأسواق الإفريقية، فالمستهلك الإفريقي لا يزال لا يعرف السلع الجزائرية، ولا أسمائها وهذا ما كلف العديد من المصدرين خسائر في بداية العملية”.
وأفاد الخبير ذاته أن الحكومة “سايرت أسلوب تعامل تجاري موجود في الحدود الجنوبية للجزائر والمتوارث من سنوات عديدة، ولعل أبرز ما يميز المناطق الجنوبية العلاقات الأخوية الموجودة بين مختلف القبائل التي تعودت على تبادل السلع والخدمات فيما بينها”.
وتابع أن عملية المقايضة “تستطيع أن تكون وسيلة جيدة لتسويق سمعة السلع الجزائرية”، لكن يبقى العائق الأساسي أن العديد من المنتجات الجزائرية “تبقى مدعمة من قبل الدولة على غرار المعجنات والزيوت والكثير من السلع ذات الاستهلاك الواسع، وهو ما جعل تصديريها تحويل للدعم المفترض أن يصل إلى المواطن البسيط”.
وفي السياق ذاته عاد الخبير الإقتصادي، إلى تاريخ المقايضة في الجزائر، موضحا أنها “ليست وليدة 2020 بل تعود جذورها إلى قوانين سُنّت في 1968 في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين لتعدل في مرات عديدة على غرار سنوات 1988، 1994، 1997”.