دولة مؤقتة – بقلم : بدر سعيد الفيلكاوي
لم يخترع الإنسان شيئا أسوأ من الحرب، فهي أكثر قاتل للبشرية من أي شيء آخر، أضرارها قتل وتدمير للبنية التحتية والاقتصادات، وأخطر أضرارها هو استمرار آثارها النفسية والاجتماعية على المجتمعات لوقت طويل، الأجيال التي تشارك في حرب تخرج منها مدمرة نفسيا، وكلما كان عمر الشخص الذي مر بهذه الخبرة أصغر كان تأثره النفسي أكبر، فهي تؤثر على الأطفال من ناحية النضوج الجسدي والعاطفي بل وحتى الفكري.
من كانوا أطفالا في مرحلة الغزو، الآن أعمارهم من 35 لغاية 50 سنة، مروا بتجربة أن يصحوا من النوم دون مقدمات تخفف من وطأة أن يجدوا أنفسهم دون وطن، وأن يعيشوا، وهذا له ما له من الجوانب السلبية على شخصياتهم وفكرهم وصحتهم، وحسب منظمة الصحة العالمية فإن الطفل الذي يتعرض لمثل هذه الظروف يحدث عنده كبت وأمراض وعقد نفسية يجب أن تعالج في المستشفيات النفسية في أقرب وقت، وإلا تفاقمت وأصبحت جزءا من شخصياتهم، فتصبح لديهم صعوبة في التعبير عن أنفسهم، وهذا ينتج أن يتخذ المصاب حلولا عنفية لحل مشاكله.
لم يسبق أن سمعت أن طفلا كويتيا من هذا الجيل راجع بعد الغزو أي طبيب نفسي، ولم يكن هناك اهتمام مجتمعي يذكر في هذا الجانب إلا للحالات الصعبة والمتطرفة، ولم تكن معاناة هذا الجيل مقتصرة على تجربة الغزو ورؤية أو سماع قصص القتل والاغتصاب التي حدثت خلاله، إنما استمرت معاناته لما بعد التحرير الفترة التي انتشر فيها العنف والخطف والاغتصابات، وكانت الصحف تنشر بشكل شبه يومي أخبار هذه الحوادث.
أن يمر طفل بفقدان وطنه دون مقدمات يزرع في الطفل حالة عدم الاستقرار، ودون معالجتها، سيظل هذا الطفل مهما كبر مؤمنا بأن وطنه دولة مؤقتة قابلة للزوال في أي وقت، لذا نسمع في كل وسائل التواصل ظهور مصطلح دولة مؤقتة بين الفترة والأخرى، دون الوقوف على الأبعاد النفسية والاجتماعية لانتشار هذا المصطلح، وعدم وجود توعية من السلطات تهدم هذا الجدار الموجود في عقل أطفال ذلك الوقت، فلا يوجد أسوأ من أن تتعامل مع وطنك على أنه دولة مؤقتة، كشخص يريد أن يغير بيته فيحاول أن يستفيد من كل شيء في بيته القديم قبل أن يتركه، فيأخذ كل ما فيه، وترك ما لا يحتاج اليه من الأوساخ بعد خروجه.
الحل العنفي والتصادمي منتشر بكثرة حاليا في الكويت، وهذا منعكس على كل الجوانب ومنها السياسي، فالقاعدة العامة المسيطرة على السياسة هي إن لم تكن معي فأنت عدوي، وهناك شبه انعدام للغة الحوار، فالتخوين من كل الأطراف السياسية هو المسيطر، والتمسك بالرأي وحب السيطرة هو المذهب الفكري المعتمد، وفي كل زاوية تجد أن هناك مشاكل اجتماعية وسياسية من مخلفات هذا الغزو، وللأسف الدراسات التي تسلط الضوء على تأثيره على المجتمع نادرة جدا وهي غير محكمة من مراكز دراسات متخصصة، ولا توجد بوادر رغبة حقيقية لعمل دراسات محكمة في هذا الجانب، ولا حتى بوادر علاج نفسي لهذه المشاكل.