كونوا ذئاباً حتى لا تتجرَّأ علينا الثعالبُ ،،،، كتب- أحمد الجارالله
قالت العربُ قديماً:
“إذا لم تكن ذئباً أجردا
كثيرَ الأذى، تجرَّأت عليك الثعالبُ”
وصنّاعُ القرار في الكويت مُطالبون بالتَّفكر في هذا القول، خصوصاً هذه الأيام بعدما عمَّت الفوضى بسبب التَّسيُّب الضارب أطنابُهُ في السلطة التنفيذية، وعدم وجود قرار حازم يمنع الاستهتار بأمن الكويت.
ولأنَّ الحكم قرارٌ، لا بد من أخذ المُبادرة لوقف استنزاف البلاد على المستويات كافة، وبالتالي فإنَّ حكم المحكمة الدستورية، أمس، بإبطال نيابة الدكتور بدر الداهوم، مؤشرٌ على أنَّ ميزان العدل الذي يقيس به القضاء الكويتي هو مصدر القوة الوحيد المُتبقي لنا، وهو ما يجب أن تعمل به السلطات الأخرى، خصوصاً التنفيذية، فلا تبقى أسيرة الفوضى التي تسبَّب بها نوابٌ كشفوا عن وجههم منذ لحظة فوزهم، ولم يخفوا عملهم وفقاً لأجندة خاصة لا علاقة لها أبداً بالأجندة الوطنية.
للأسف، إن هؤلاء المعروفة توجهاتُهُم، ومصالحُهُم الشخصية أيضاً، قابلتهم حكومة شبه مُستسلمة، تُمعن في عدم التصدي، ما جعلها بنظر الكويتيين عاجزة، وعجزها هذا سببُ تفشي التسيُّب في المؤسسات كافة، وتعطل البلد، إلى حدٍّ باتت معه الأزمة الاقتصادية، تُنذر بمُخاطر كبيرة وهذا أمرٌ بديهيٌّ، لكنه للأسف يبدو غائباً عن بال الحكومة، إذ بدلاً من وضع خطة واضحة وسريعة لمُعالجة الخلل، يخرج علينا وزير المالية ليقول لا فض فوه: “نحتاج 90 دولاراً لبرميل النفط ليصبح عجز ميزانية الكويت صفراً”، وهذا لا يبشر بخير أبداً.
منذ أربعين عاماً لم يبقَ أحدٌ في الكويت إلا ونبَّه من ضرر الاعتماد الكُلي على النفط، وأن عدم تنويع مصادر الدخل سيؤدي إلى أزمات بنيوية كبيرة، لكنَّ الحكومات المُتعاقبة أُذن من طين وأخرى من عجين، بل أكثر ما يمكن أن تصل إليه كان التعبير عن القلق، وكأنها ليست المعنية بهذا الأمر المصيري.
كلُّ هذا أدّى إلى المشهد الحالي، الذي يفرض علينا الاعتراف بالحقيقة رغم مرارتها، وهي أن الحكومة ليست وحدها الملومة، بل النظام السياسي ككل، الذي لديه صلاحيات دستورية كبيرة، تبدأ، كما قلنا في مرات عدة، من حل المجلس وتصل إلى إقرار مراسيم الضرورة، خصوصاً في ظل وجود مجلس أمة يرفض كل ما تقدمه من حلول؛ لأن النواب كلٌّ يُغني على لَيْلاه، لذلك لايزال، مثلاً، تنويع مصادر الدخل شعاراً بعيد المنال، بسبب غياب خطة إنهاض الصناعة والسياحة وعدم تنفيذ مشروع مدينة الحرير والمنطقة الشمالية الاقتصادية، وغيرها الكثير من المشاريع التي تُشكِّل قاعدة أساسية لاقتصاد منتج ومتنوع وتستوعب عشرات الآلاف من الأيدي العاملة الكويتية.
هذا المجلس -كما سابقه- لا يُقدِّم الحلول، فهو يرفض الاقتراض من الخارج، أو الاستعانة بصندوق الأجيال، وفي الوقت نفسه يعمل على تحقيق مطالب عبثية للنواب، ويخفي كل ذلك بشعار الديمقراطية، وأن الشعب مصدر السلطات، فيما أن رصيد الحكم، ومنذ أربعمئة سنة، لدى الشعب أكبر بكثير من جعجعة النواب الشعاراتية، وهو الحكم الذي حقق الديمقراطية الصحيحة.
هذه الحقيقة يجب أن يُدركها جيداً صناع القرار، ويحزموا بقرارتهم ليحسموا الأمر، لأنَّ غياب القرار جعل الحكومة في مهب ريح اولئك النواب، فهي لا تكاد تنال الثقة حتى تهرب الى الاستقالة عند اول تلويح بالاستجواب.
كلُّ هذا لم يتحقق؛ لأن حُجَّة الحكومة الدائمة، التي أصبحنا نحفظها عن ظهر قلب،: “المجلس يرفض تلك المشاريع”، وهو ما ينطبق عليه قول العرب:
“إذا لم تكن ذئباً على الأرض أجردا
كثيرَ الأذى تجرَّأت عليك الثعالبُ”.