ومضة: إشهار الهيئات السياسية ضرورة ديمقراطية
على الرغم من قِدم التجربة الديمقراطية الكويتية في المنطقة فإنها لا تزال مشوهة وغير مكتملة، وتعاني تناقضا بين مشروع الدولة المدنية الحديثة ومشروع دولة المشيخة، وعلى الرغم من وجود الأحزاب أو الهيئات السياسية على أرض الواقع فإنها لا تزال غير مشهرة، مما جعل الساحة السياسية في الكويت عبارة عن فوضى تكرست عبر العمل الفردي وظاهرة نواب المعاملات وتقديم المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن، وللأسف أسهمت السلطة على مدى التاريخ في ترسيخ هذا الوضع البائس وتفتيت المجتمع وتفككه، حتى أصبح صوت الخطاب الطائفي والقبلي والعنصري هو الصوت السائد في العملية السياسية والانتخابية، وأصبح المواطن يلجأ لمكونه الاجتماعي لأخذ حقوقه، وزاد نظام الصوت الواحد المجزوء الطين بلة، وتحولت المكونات الاجتماعية إلى أحزاب وهذا أمر في غاية الخطورة، ويجب على السلطات الانتباه إليه وتعديله، فلا يمكننا الحديث عن محاربة الفساد والإصلاح من غير إصلاح المنظومة السياسية الذي يعتبر مدخلاً لإصلاح بقية المجالات الأخرى. فلابد من إصدار قانون يسمح بإشهار الهيئات السياسية بحيث تتشكل على أسس وطنية وديمقراطية تسهم في تنظيم العمل السياسي وتكريس ثقافة العمل الجماعي، ووضع نظام انتخابي عادل عبر القوائم الانتخابية ونظام التمثيل النسبي أو النظام المختلط بحيث يتم الانتخاب على أساس برامج لا أفراد، بالإضافة إلى إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات وتضمن حرية ونزاهة الانتخابات وتقدم الاقتراحات للارتقاء بآليات العمل الانتخابي والبرلماني، وهذا ما يحدث في الدول الديمقراطية المتقدمة التي يضرب بها المثل من قبل حكوماتنا التي تنظر لها فقط في مجال الحريات الاقتصادية والتوجهات الاقتصادية النيوليبرالية لكنها لا تعرفها في مجال الحريات السياسية والحقوق الإنسانية!
صحيح أن المسؤولية تكون على قدر السلطة إلا أن هناك مسؤولية أيضاً وتقصيرا من بعض النخب السياسية التي تتحدث عن تطور العملية الديمقراطية والسياسية وفي الوقت نفسه تستهويها الزعامات الفردية وليس لها نموذج أو تجربة للعمل الجماعي المنظم على أرض الواقع بل حتى بعض هذه النخب لا تستطيع العمل سياسياً مع دائرة ضيقة من الأفراد، ولذلك عليها مراجعة نفسها لتصحيح هذا الاعوجاج.
في النهاية نؤكد أن إشهار الهيئات السياسية ليس ترفاً بل استحقاقا ديمقراطيا ضروريا، وأدعو أيضاً الشابات والشباب المهتمين بالعمل السياسي للانضمام للتيارات السياسية القريبة منهم فكرياً بل حتى إنشاء تيارات جديدة لممارسة هذه التجربة الديمقراطية لخلق جيل يؤمن بالعمل الجماعي المنظم.