حمَّال «الأسية»! لـ ايمان جوهر حيات
بين جدال حكومي برلماني محتدم، وتراشق التهم والإدانات والتشكيك والتخوين وارتفاع نبرة الطائفية والعنصرية التي تتلازم في العادة مع اكتشاف قضايا جديدة أو حساسة يحيطها الفساد، وتقليص الحريات وتسييس الدين والتعليم وأغلب وسائل الإعلام، هناك «حمّال الأسية»، وهو مجتمع يترقب مصيره في أجواء تسودها المشاكل الاجتماعية من عنف وصل إلى ارتكاب جرائم القتل التي تستهدف بشكل كبير المرأة، التي أجحفت بحقها منظومة متكاملة من الأعراف والتقاليد والقوانين المعيبة، التي سلبتها حقوقها وجعلتها عرضة للانتهاك، وقبلها معاناة «البدون»، التي تقارب الـ60 عاماً، والتي تسببت في إقدام بعضهم على الانتحار بسبب القيود وانعدام الحقوق الإنسانية وضنك العيش، وأصبحت قضيتهم مجرّد سراب، تثار وتنتهي لإشعال العنصرية أو إشغال الرأي العام، لا لإيجاد الحلول العادلة والمنصفة، وانخفاض سقف الحريات، الذي تسبب في سجن وهجرة ولجوء أبنائنا بسبب آراء! ومعاناة أصحاب المشاريع الصغيرة الذين بادروا بتحفيز وتشجيع من الحكومة وخُذلوا عند أول أزمة وتركوا بلا إنقاذ، ومعاناة العمالة السائبة التي جلبها تجار الإقامات ليكون مصيرهم الشارع بلا رحمة ولا رأفة ولا محاسبة تضع حداً لهذا الاستغلال، وعدم تكافؤ الفرص بسبب الواسطة والمحسوبيات والترضيات، وشهادات مزورة يعتلي أصحابها بعض المناصب، ضاع صيتها وسط تفاقم قضايا الفساد التي لم نعد نستطيع إحصاءها من كثرتها وتشعبها، ومؤسسات مجتمع مدني في الأغلب شكلية كأنها ناطق رسمي يعبّر عن تطلعات الحكومة لا الشعب! وأجهزة رقابية مترهلة لا تتحرك إلا كردة فعل لملاحظات المنظمات الدولية أو تسريبات يتلاعب بها الخصوم لإضعاف بعضهم البعض، ولا تُفَعّل الرقابة والأجهزة المسؤولة عن حماية أمن وسلامة مقدرات المجتمع إلا بعد هروب الفاسدين المدبر! أو إفلاتهم من العقاب بسبب ثغرات ونواقص في القانون!
ونزاع سياسي أدخلنا في دوامات متتالية دهورت الصحة والاقتصاد وكل أوجه الحياة، وأصاب أغلب أفراد المجتمع القلق والخوف والتوجس على الحاضر والمستقبل، وتلاشت الثقة بقدرة هذه الحكومة والبرلمان على إيجاد مخرج من هذا الوضع العكر، الذي تديره في الغالب المصالح الخاصة البعيدة عن المصلحة العامة، وأصبح طموح أغلبية المواطنين هو تأمين عقار أو مصدر رزق خارج البلاد تأهباً من القادم المجهول، والأَمَّر من ذلك تلك التسريبات التي صرح بها شيخ متنفذ ذو سلطة مؤخراً معبراً عن يأسه من حال البلاد ويفكر بالهجرة، وهو يملك من المقدرات التي تكفيه أن يعيش مرفهاً في أي بقعة من العالم، بينما مطلوب من المواطن المثقل بالديون والأعباء أن يتعايش مع الفساد ويتقبل سوء الإدارة ورداءة أغلب الخدمات، وعليه دفع ضريبة لخزينة الدولة المثقوبة التي قاربت على الإفلاس بسبب الهدر!
تفشي العنف في أي مجتمع مؤشر على فساد المنظومة الإدارية واختلال ميزان العدالة، وغياب الإحساس بالمسؤولية المجتمعية، وما نشهده من حالات العنف ومقتل «فرح» وغيرها من المغدورين هو نتيجة تراكم وتشعب الفساد في أغلب أجهزة الدولة، مما أفقد القانون هيبته واحترامه لدى أغلب الناس، وهذا هو الخطر الذي نَسَفَ أغلب البلدان المدمرة والمنكوبة من حولنا، ولا نريد أن نكرر تجاربهم المريرة.
إيمان جوهر حيات