بقلم : يوسف عبدالرحمن
جيلنا المخضرم يعرف العم حمد عيسى الرجيب، رحمه الله.
هذا الجيل الحراكي لا يعرف ولم يقرأ تاريخ هذه القامة الوطنية التي عملت بإخلاص لهذا الوطن، هو وغيره من الذين كبرت أعمالهم وإنجازاتهم لتطاول عنان السماء!
كانوا رجالا شغلهم الشاغل هذا الوطن، ومن يقرأ أحاديثهم وتصريحاتهم وتجاربهم يقف لهم احتراما لأنهم أدوا أماناتهم بأمانة وإخلاص.
كانت الكويت هي الأكرم والأبقى أمام عطائهم السخي وحبهم لوطنهم حد العشق!
معالي وزير التربية والإعلام، ما أحوج جيلنا الحاضر، وهو لا يقرأ للأسف إلا بالميديا والتواصل الاجتماعي، أن تجدوا له مادة تاريخية لهؤلاء الوطنيين الذين عملوا بهمة وصمت لهذا الوطن وكل واحد ترك لنا بصماته وتاريخه.
بات لزاماً على المسؤولين في الدولة أن يعطوا هذا الجيل صفحات تاريخ هؤلاء الرجال التي تجسد تجربة وخبرة وموروث الآباء والأجداد، لعله يغترف من فيض عطائهم الوطني، وهم ينقلونك من محطة الى أخرى في حياتهم وعطائهم اللامحدود.
خذ مثلا شخصية مثل أستاذنا ومعلم الأجيال العم حمد عيسى الرجيب الذي ينقلك بين محطات حياته المختلفة من دائرة الشؤون الاجتماعية إلى بحر الديبلوماسية الواسع المترامي الأطراف كسفير لبلده الكويت، فما أجمل ما يروى عن تاريخه المشرف على شواطئ المعرفة والغربة والثقافة وجولاته في البحار الخليجية ممارسا هوايته وعشقه للنغم والموسيقى، وكانت موسيقاه وألحانه يتفيأ ظلالها ليزيح عن نفسه التعب من طول الطريق!
هذا نموذج تاريخه طويل ومشرف نستطيع أن نقدمه وإخوانه على شكل تاريخ سينمائي أو مسرحي أو مقررات مدرسية وجامعية!
هؤلاء هم من نحتوا في الصخر وشقوا لنا الطريق الذي أصبح الآن لنا وطنا يسمى الكويت.
ما أحوج اليوم لبلادنا، وهي (ولادة)، أن تحيي ذكرى وتاريخ هؤلاء الأماجد من رجال ونساء، فهم والله تاريخنا وهم جيل صابر عايش كل أشكال الحياة من فقر الى بحبوحة العيش، وكان جل همهم هذه الأرض، كويت الماضي وكويت الحاضر، فالكويت مليئة بالشخصيات الوطنية.
عندما تقرأ تاريخ العم حمد الرجيب تشعر بعظمة هؤلاء الرجال الذين يتهربون من التوزير، فالكل يقدم أخاه وصاحبه معتذرا بأنه أفضل منه، كان ذاك هو زمن الكويت، وآن الأوان أن يعرف جيلنا الحالي نماذج هذا الوطن التي ملئت شرايينه بالدماء الطاهرة البعيدة كل البعد عن الفساد والمفسدين.
ومضة: تستحق الكويت معالي وزير الإعلام ووزير التربية أن نقدم هذه النماذج الآن وليس غدا لجيلنا حتى يتعرف على عصامية هؤلاء الكرام الذين لم يبخلوا على الكويت أبدا بتجربتهم وخبرة الحياة، وهم والله (ثروة) نائمة في بطون الكتب (نماذج مخلصة) لم تتخذ أبدا التوزير أو الوصول الى المنصب الحكومي أو الشعبي ذريعة للوقوع في الفساد وممارسته.
كم هو ناصع وجميل ماضي هذا البلد، وتاريخ الإنسان فيه، وكم هو نظيف ومشرق أن ننقل تجربة وتاريخ الآباء والأجداد لهذا الجيل والجيل القادم ليكمل بناء الأجداد والآباء.
معالي وزير التربية ومعالي وزير الإعلام: هل سمعتما عن «وطن وشعب» سرقت أرضه بخِسّة في لمح البصر ثم ينصره الله ويعود الى داره معزّزا مكرّما مواطناً صامداً بقي داخل وطنه شامخا رافع الرأس لم ينحنِ ولم يقبل الذل؟
آخر الكلام: اليوم فقط أذكّركم بشخصية واحدة من جيل الرواد وهو أستاذنا القدير حمد عيسى الرجيب الذي عمل مدرسا بالمدرسة الشرقية وابتعث للقاهرة عام 1945 وأنهى دراسته في مدرسة المعلمين بالقاهرة عام 1949 إضافة الى دراسته في المعهد العالي لفن التمثيل العربي.
اشتغل مديرا للنشاط المدرسي بدائرة المعارف ثم شارك في إنشاء نادي المعلمين وفي إصدار مجلة الرائد 1950، ثم أصدر مع الشاعر المرحوم، بإذن الله، أحمد مشاري العدواني مجلة البعث، وأسس دائرة الشؤون الاجتماعية 1954، وكان عضوا في مجلس الإنشاء الذي ترأسه الشيخ فهد السالم، رحمه الله، وأنشأ مركز الفنون الشعبية عام 1965 الذي صار المعهد العالي للدراسات المسرحية والموسيقى، وفي عام 1961 صار وكيلا لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ثم عُين سفيرا للكويت في القاهرة، وفي عام 1976 عُين سفيرا للكويت في المغرب، وفي سنة 1979 عين وزيرا للإسكان، وقد ساهم في إنشاء التعاونيات، كما كان عضوا في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
زبدة الحچي: زمن أخضر عندما تقرأ عن سيرة أستاذ الأجيال حمد عيسى الرجيب وإخوانه الذين عاصروه ورافقوه أمثال الشيخ عبدالله الجابر، وفهد الدويري، وصالح عبدالملك، وعبدالعزيز جعفر، ومحمد خلف، وأحمد مشاري العدواني، ود.يعقوب يوسف الغنيم، وعبدالعزيز حسين، وحمود مقهوي، والفنان محمد النشمي، والموسيقار أحمد باقر، وعبدالله زكريا الأنصاري، والأستاذ عبدالله أحمد حسين الرومي، والأستاذ عبدالعزيز الصرعاوي.
لقد عايش أمراء الكويت منذ عهد «أبو الدستور» سمو الشيخ عبدالله السالم ثم أخيه الشيخ صباح السالم وأمير القلوب سمو الشيخ جابر الأحمد وسمو الشيخ سعد العبدالله وارتبط في تاريخه الطويل بسمو الشيخ صباح الأحمد والشيخ جابر العلي.
لقد عمل بجد لحفظ التراث وكانت له إسهامات في حفظ تاريخ الأغاني القديمة وكذلك جميع تاريخ الشعراء القدامى أمثال زيد الحرب ورومي الفهد وفهد بورسلي ومنصور الخرقاوي، وأيضا رحلات بحرية حفظت التراث البحري بدعم متواصل من الشيخ جابر العلي الذي اهتم كثيرا بالتراث الكويتي.
كان همّ أستاذنا حمد عيسى الرجيب العمل وليس الكرسي، وفي تاريخه وقفات في هذا الجانب تلزم تفصيلا أكثر لأنه رفض اكثر من منصب وزاري، كما يذكر له بالتاريخ انه أول من فكر في عمل إحصاء وتعداد عندما عمل بدائرة الشؤون عام 1957.
من أجمل أقواله: أنا رجل أنتمي إلى القبيلة وتأسرني قيم البادية وقبيلتي هي الوطن.
جميل وطني الكويت في كثير من حقبه زاخرا بالرجولة والصدق والقيم.
معالي وزير الإعلام ومعالي وزير التربية: لن أتعب وأنا أكتب، اعرضوا هذه النماذج الوطنية في هذه المرحلة من خلال تلك المحطات الوارفة.. والله إننا أثرياء في تاريخنا زمن الثراء الحقيقي في ذاك الزمن الأخضر!
في أمان الله..
