أبعدوا أعداء الفرح واستعيدوا الهَيْبة ،،، بقلم / أحمد الجارالله
يوماً بعد يوم، يزداد الأفق حلكة فتغطي العتمة الإرادات الوطنية السّاعية إلى التوصل لحل يوقف هذا “الطوز” السّياسي الذي أثقل رئة الوطن، وكاد يصيبه بمرض عُضال لا فكاك منه إلا بإعادة النظر بالتجربة الديمقراطية منذ ستة عقود إلى يومنا هذا، والاستفادة من الأزمات التي مرّت فيها البلاد جرّاء تمترس كل فريق خلف أوهام الغلبة، بينما في الحقيقة المغلوب هو المواطن أولاً، والكويت ثانياً، ما يعني أزمات أكثر تبقى بلا حلول لأنَّ النيات غير صافية.
حين بدأ المجلس التأسيسي بإعداد الدستور سعى الأعضاء إلى تجريد الأسرة الحاكمة من أغلب صلاحياتها، وامتيازاتها، ومحاصرة الحكومة في أطر محددة لا تمكنها من ممارسة دورها الصحيح، ما أدى إلى خلل في التوازن بين كفتي إدارة البلاد، وهو ما أدى لاحقاً إلى أزمة العام 1963، لتتوالى بعدها المشكلات بين السلطة التشريعية ونظيرتها التنفيذية، فكانت أزمة انتخابات العام 1967، وتلتها أخرى في الحلِّ غير الدستوري لمجلس الأمة عام 1976، لكن تعليق العمل ببعض مواد الدستور لم يكن كافياً لترتيب العلاقة بين جناحي صنع القرار (الحكومة والمجلس) لذلك اصطدم الحكم مرة أخرى بالمعارضة ما أفضى إلى حل السلطة التشريعية عام 1986 بعد مشهد مشابه لما هو عليه اليوم من قصف نيابي بالاستجوابات لرئيس مجلس الوزراء والوزراء، من دون أن نفقه الحد الأدنى من المخاطر التي ترتبت على التجارب السابقة.
في كلِّ تلك المحطات كانت السلطة تتنازل أكثر لأعداء الفرح، من “إخوان” وغيرهم، ممن يسعون بعناد إلى فرض إرادتهم على الأمة، حتى استطاعوا تكوين غالبية نيابية في أكثر من مجلس، وتحكموا بمفاصل الدولة، المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكانوا، وما زالوا، أصحاب اليد العليا بالتوظيفات التي يستثمرونها لمصالحهم، لذا سنوا القوانين المؤطرة للمجتمع وفق ما تشتهي سفنهم.
في المقابل، عجزت السلطة عن مواجهتهم، رغم حرفهم لمسار القرارات عن وجهتها الصحيحة، ما أدى إلى الوضع الحالي الذي تفاقم مع الفشل في التصدي لجائحة “كورونا” وتبعاتها المالية والاقتصادية، بل ظهرت الدولة في مظهر العاجز عن مساعدة شعبها في وقت توزع الهبات والقروض على 170 دولة، بل لا تنفك تعلن عن تقديم المساعدات إلى الفلسطينيين وتنظيمات غزة، وتتخذ المواقف السياسية المتطرفة في هذا الشأن على العكس من المزاج السياسي العالمي، فيما هي تبخل على مواطنيها، وكأنها عين عذاري تسقي البعيد فيما القريب يقتله الظمأ.
المؤسف أنَّ هذه السياسة نتيجة طبيعية لتحكم أعداء الفرح في مفاصل الدولة، فيما ليس لدى الحكومة غير معزوفة واحدة وهي أن المجلس لم يوافق على تلك القوانين والقرارات المحفزة للاقتصاد الوطني، علماً أنها تُنفق بسخاء في الخارج، وهو ما يزيد من النقمة الشعبية على السلطة التنفيذية.
في المحصلة يبقى القول: إن ما نشهده اليوم نتيجة طبيعية لكل تلك التراكمات، وإذا لم تبادر الدولة إلى حل المعضلة الداخلية فإنَّ الغضب الشعبيَّ سيتوسع أكثر، وأعتقد أنَّ أولى خطوات الحل هي إعادة النظر بالدستور، وإصلاح العلاقة بين طرفي السلطة، وإعادة الهيبة إلى أسرة الحكم، ووقف السخاء المالي للخارج والالتفات إلى الداخل، فالكويت فيها من الخير الكثير، وليست عاجزة عن مساعدة شعبها.