الحمار أم الشعب في أمة “السين وسوف”؟ اسألوهم
كتب ـ أحمد الجارالله:
ثمَّة طرفةٌ تُروى مفادها أنَّ كهليْن كانا يجلسان أمام إحدى البقالات، ويضحكان بصوت عالٍ، فسألهم فضوليٌّ كان ماراً من أمامهما عن سبب هذا الضحك، فقال أحدهم: “لدينا خطة لحلِّ أزمة البلاد، وهي أن نحبس الشعب كله ومعه حمار”.
فقال الرجل مستغرباً: “لماذا تحبسون الحمار؟”.
فالتفت الكهل إلى رفيقه وقال: “أما قلت لك ما حد رح يسأل عن الشعب؟”.
للأسف، إنَّ هذه الطرفة تنطبق على شعوب خليجية وعربية عدة؛ لأنَّ المسؤولين عن الشأن العام فيها يعيشون في عالم آخر مختلف عما يُعانيه الشعب، وبالتالي لا يستغربون صراخه من المُعاناة، بل يسألون عما فعل الحمار كي يزجَّ به في السجن!
والسبب أنَّ المسؤولين العرب درجوا على إطلاق الوعود بحكم انفصالهم عن الواقع، حتى باتت هذه الأمة تعرف بـ”أمة السين وسوف”، ففي المُناسبات القليلة التي يطلُّ فيها الحاكم على شعبه يبدأ بإطلاق الوعود، وتدبيج المبررات للتقاعس والتقصير، ويكثر في كلامه عن مكافحة الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة.
ونتيجة لذلك يتخدَّر الناس إما سُكراً بالوعود، وإما يأساً، حتى تصل بهم الحال إلى درك يصبح فيه الإصلاح أقرب إلى المستحيل، كما هي الحال، مثلاً، في لبنان الذي قادته الوعود الخادعة من المسؤولين وزعماء الأحزاب إلى أزمة مصيرية فتفكك شيعاً وقبائل، وغرق في العوز والحاجة، فيما لايزال المستفيدون من هذا الوضع يمتصون دمه، وكذلك الأمر العراق الذي رغم امتلاكه أحد أكبر احتياطات النفط في العالم، ولديه مقومات كثيرة تجعله رائداً اقتصادياً إلا أنه يعيش، منذ عام 1958 بعد أول انقلاب فيه، واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والمعيشية والسياسية.
وكلّ هذا نتيجة طبيعية لعدم قدرة الحاكم، أو المسؤولين عن الشأن العام، على وضع برامج عمل واقعية للنهوض ببلادهم، فيما هم يترنحون بالمدائح التي يكيلها عليهم المُقربون والمُستشارون.
في المقابل، هناك قادة عملوا على بناء دول قوية وقاوموا كلَّ الضغوط، الخارجية والداخلية، لحرفهم عن مهمتهم، ومنها يوغسلافيا، في عهد جوزيف تيتو، الذي وحد ست دول، وجعلها قوة اقتصادية وسياسية كبيرة في شرق أوروبا، فيما أسس منظمة دول عدم الانحياز، لذا رغم مرور 41 عاماً على وفاته لاتزال الشعوب اليوغسلافية تعتبره القائد الموحد، رغم تفكك تلك الدول وغرقها بالحرب الأهلية.
ثمة مثال عربي قريب من تيتو، وهو جمال عبد الناصر، الذي كان يشكل قوة نهضوية في بداية حكمه، لكن للأسف بدلاً من السير في طريق البناء، عمد إلى جعل المخابرات قوة حاكمة فوق المحاسبة، وسلَّم قيادة المجتمع إلى مراكز قوى وظفت الاقتصاد المصري لمصلحتها، وهو ما أدى إلى تخلف هذه الدولة العظيمة في ذلك العهد، ولم تنهض إلا بعد رحيله وتصفية مراكز القوى.
تجارب الشعوب هي خلاصات للأمم الأخرى، وإذا لم يستفد منها المسؤولون عن الشأن العام، ويتداركوا الأخطاء فإنهم يقودون بلدانهم إلى الفرقة، فيما شعوبهم وبسبب اليأس لا تُحرِّك ساكناً، ما يؤدي في النهاية إلى الفوضى، جراء انفصال المسؤولين عن الواقع، لذا يستهجنون فكرة حبس الحمار بدلاً من إدراكهم أنَّ هناك شعباً كاملاً يُعاني.