محافظ بنك الكويت المركزي د. محمد يوسف الهاشل: النظام المالي في الكويت من الأقوى والأكثر أماناً واستقراراً بالمنطقة
قال محافظ بنك الكويت المركزي د. محمد يوسف الهاشل، ان الأزمات تحمل في طياتها دروسا قيمة يحسن استخلاصها، وعبرا بالغة ينبغي استقراؤها، لنخرج منها أكثر استعدادا للتعامل مع تحديات المستقبل ومستجداته.
وأوضح الهاشل في حديث له بمجلة هيئة أسواق المال، تحت عنوان «عشرية من الدروس والتطلعات»، أن أزمات العقد الماضي التي مرت علينا لم تبخل بمثل تلك الدروس، بدءا من أزمة الرهن العقاري التي فجرها إفلاس بنك «ليمان برذرز» في 2008، مرورا بأزمة الديون الأوروبية، ثم انهيار أسعار النفط في عام 2014، وصولا إلى الأزمة الراهنة جراء تداعيات جائحة كورونا التي لا تشبهها أي من الأزمات الماضية عمقا ولا تضاهيها حدة وامتدادا، فهي رغم كونها ناتجة عن أسباب غير اقتصادية، إلا أنها أدت إلى وقف الإنتاج وتراجع العرض وانحسار الطلب، مما أدخل الاقتصاد العالمي في حالة من الشلل الممتد، ودوامة أفضت إلى خسائر جمة في الإنتاج والوظائف، ترافق ذلك مع تدهور أسعار النفط، الأمر الذي شكل تحديا مزدوجا للدول المنتجة للنفط.
وأشار إلى أنه في كل الأزمات تشكل البنوك المركزية الملاذ الذي تهرع إليه الحكومات لإنقاذ اقتصاداتها من قبضة الركود، فتلجأ تلك البنوك إلى سياسات نقدية تيسيرية غير نمطية، فتارة تضخ تريليونات الدولارات من السيولة لتحفيز الاقتصاد، وتارة تتبنى معدلات فائدة صفرية بل حتى سالبة لخلق بيئة اقتراض منخفض الكلفة، حتى آل الأمر إلى مستويات هائلة وغير مستدامة من الدين العالمي.
ولقد علمتنا تلك الأزمات المتتاليات دروسا كبرى في أهمية الحوكمة وإدارة المخاطر، ومنافع السياسات الحصيفة والإجراءات التحوطية إبان الرخاء، وحتمت علينا تبني نهج استباقي، يستشرف المستقبل، فيستبق بالحلول التحديات، ويبادر بالتدابير المخاطر، ويبذل أسباب الوقاية قبل الحاجة إلى العلاج.
وشدد الهاشل على أن بنك الكويت المركزي استوعب مبكرا هذه الدروس فترجمها إلى إجراءات عملية على أرض الواقع، ترسيخا للاستقرار النقدي والاستقرار المالي في البلاد، بحيث تتمتع الكويت بنظام مالي يعد من الأقوى والأكثر أمانا واستقرارا على مستوى المنطقة.
وفي سبيل ذلك تبنى بنك الكويت المركزي نهجا استباقيا، فبادر إلى رسم سياسة نقدية حصيفة، وطبقها بحرفية عالية على حد وصف صندوق النقد الدولي، محققا في ذلك الثوابت الثلاثة الأساسية لسياسته النقدية، عبر استقرار نسبي لسعر صرف العملة الوطنية أمام العملات العالمية وما تشهده أسعار صرفها من تقلبات، والمحافظة على أسعار الفائدة عند مستويات تعزز نموا صحيا للاقتصاد بقطاعاته المتنوعة، وترسخ جاذبية الدينار الكويتي كوعاء مجز وموثوق للمدخرات المحلية.
وعلى صعيد السياسات الرقابية عمد إلى تعزيز أوضاع وحدات الجهاز المصرفي والمالي في البلاد ضمن منظومة رقابية متكاملة، تطبق أدوات الرقابة الجزئية، وأدوات التحوط الكلي التي تستهدف الحد من المخاطر، عبر رفع جودة إدارتها في القطاع المصرفي، وتدعيم القواعد الرأسمالية وتكوين المخصصات الاحترازية، وتطبيق مجموعة معايير بازل المعروفة بحزمة إصلاحات بازل (3) حيث كان بنك الكويت المركزي من أوائل البنوك المركزية في العالم في تطبيق هذه الإصلاحات المتكاملة، التي تستهدف تعزيز متانة مؤشرات السلامة المالية للبنوك وتقوية أوضاعها، وتوطيد الاستقرار المالي.
كما عمل بنك الكويت المركزي على ترسيخ أسس الحوكمة الرشيدة، عبر بناء منظومة من السياسات والإجراءات تضبط القطاع المصرفي بأعلى معايير الحوكمة المطبقة عالميا فأصدر «قواعد ونظم الحوكمة في البنوك الكويتية» وحرص على تحديثها باستمرار فكان آخر تحديث أدخل عليها في سبتمبر 2019 بإدخال أعضاء مجالس الإدارة المستقلين ضمن تشكيل المجلس واللجان المنبثقة منه.
وقد آتى هذا النهج ثماره، إذ حصن البنوك الكويتية أمام الأزمات التي جاءت تترى، ومنح القطاع المصرفي المناعة في مواجهة جائحة كورونا وتداعياتها العميقة والممتدة، لتدخل هذه الأزمة من موقع قوة، فكان الجهاز المصرفي الكويتي في هذه الأزمة ظهيرا داعما لجهود تحفيز الاقتصاد ومعالجة تداعيات الجائحة، ونجح في تخطي السنة الأولى من الأزمة بفضل ما أثمرته السياسات الرقابية التي طبقها بنك الكويت المركزي طوال العشرية الماضية، مما جعل البنوك الكويتية تتمتع بمؤشرات سلامة مالية عالية تفوق المتطلبات والمعدلات العالمية، رغم تداعيات الجائحة.
تطوير الكوادر الوطنية.. لمستقبل أفضل
شدد الهاشل على أن بناء المستقبل يتطلب تطوير الكوادر الوطنية وتعزيز حضورها في القطاع المالي والمصرفي الكويتي، وهو ما يوليه به بنك الكويت المركزي عنايته من خلال مجموعة من الإجراءات على صعيد بناء المعرفة عبر قيادته لمبادرة «كفاءة» التي تقدم طيفا من البرامج التدريبية عالية المستوى ومنح الدراسات العليا في أعرق الجامعات العالمية، بهدف تكوين كفاءات وطنية عالية التأهيل، وتزويدها بالمعارف والمهارات اللازمة لتطوير القطاع المصرفي وتعزيز متانة الاقتصاد الوطني في الكويت من خلال مده برأس المال البشري عالي التأهيل.
كما يحرص البنك على تمكين الطاقات الوطنية في القطاع المصرفي ليس على مستوى توطين الوظائف فحسب، بل كذلك على مستوى توطين القيادات في القطاع المصرفي.