%50 قفزة بأسعار حديد التسليح الكويتي في 16 شهراً
تنشر «الأنباء» دراسة خاصة أعدها د.عبدالوهاب عبدالقادر السرحان، الباحث في الشأن الاقتصادي، حول ارتفاع أسعار الحديد الصلب وتأثيره على قطاع البناء بالكويت، حيث تعد صناعة الحديد الصلب من أهم الصناعات الاستراتيجية حول العالم، لما لهذه السلعة من مساهمة جوهرية في تحقيق التطور الصناعي ومن ثم النمو الاقتصادي لجميع الدول سواء كانت نامية أو متقدمة.
ولا شك أن ارتفاع أسعار الحديد الصلب خلال الـ 16 شهرا الماضية بالكويت بنسبة وصلت الى 50%، ليبلغ سعر الطن 254 دينارا كما في نهاية مايو 2021، قد أثر بشكل مباشر في مضاعفة تكلفة عمليات التشييد والبناء للمشاريع الحكومية، كما انعكس هذا الارتفاع في سعر حديد التسليح تحديدا بشكل سلبي على المستفيدين من الرعاية السكنية وعلى وجه الخصوص أصحاب القسائم التي تم توزيعها مؤخرا في مدينتي المطلاع وجنوب عبدالله المبارك.
ويساهم الحديد بشكل بارز في مختلف جوانب حياة الإنسان، حيث يعتبر عنصرا رئيسيا من عناصر الانتاج للعديد من الصناعات، خاصة بصورته الصلبة كصناعة الأسلحة والسيارات والطائرات والسفن والقطارات وسكك الحديد والمعدات الثقيلة والخفيفة والأجهزة الكهربائية وحتى المشارط الجراحية في غرف العمليات، وغيرها الكثير، ويقول الله تعالي: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس).
أكبر ادول المنتجة للحديد
تأتي أستراليا على رأس قائمة الدول المنتجة لخام الحديد في العالم، حيث بلغ انتاجها 900 مليون طن لعام 2019، وتأتي بعدها البرازيل بإنتاج 490 مليون طن، ومن ثم الصين بإنتاج 340 مليون طن، ثم الهند 200 مليون طن، وروسيا 95 مليون طن، وجنوب أفريقيا 81 مليون طن.
أما فيما يتعلق بتصنيع الحديد وإنتاجه بصورته الصلبة، فتتصدر الصين قائمة الدول المصنعة كما أشارت المنظمة العالمية للحديد الصلب في تقريرها الصادر عام 2020، ففي ذلك العام انتجت الصين أكثر من نصف الانتاج العالمي من الحديد الصلب بمجموع 996.3 مليون طن، وتليها الهند بـ 111.2 مليون طن، ثم اليابان بـ 99.3 مليون طن، والولايات المتحدة الأميركية بـ 87.8 مليون، وذلك من أصل 1869 مليون طن من الانتاج العالمي للحديد الصلب.
تقلبات الأسعار العالمية
شهدت أسعار الحديد الصلب ارتفاعات متكررة منذ بداية العام المنصرم إلى وقتنا الحالي، حيث تجاوزت نسبة الارتفاع 80% للفترة ما بين فبراير 2020 وحتى نهاية مايو 2021، حسب بيانات بورصة لندن للمعادن، ونستطيع أن نقسم مراحل ارتفاع الأسعار إلى فترتين:
٭ الأولى، عندما بدأ فيروس كورونا يجتاح دول العالم مع بداية عام 2020 حتى أكتوبر من نفس العام.
كان لانتشار هذا الفيروس الأثر البالغ على تراجع حركة النقل البحرية والجوية والبرية، ما أدى إلى الارتفاع في أسعار الشحن البحري الذي تعتمد عليه حركة نقل الحديد الصلب بين الدول بشكل شبه كامل، فتمت إضافة الزيادة في أسعار الشحن على الدول المستوردة للحديد.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أدى الإغلاق شبه الكامل للمصانع خلال تلك الفترة (في شهر مارس بالتحديد) خاصة في كبرى الدول المنتجة للحديد الصلب مثل الصين التي تنتج أكثر من نصف الانتاج العالمي وكذلك الهند ودول أخرى، ناهيك عن قلة الإمدادات من خام الحديد من الدول المصدر له وعلى رأسها استراليا لذات السبب إلى الانخفاض الحاد من المعروض من الحديد الصلب عالميا فأجبر المستهلكين إلى دفع مبالغ أكبر للحصول على الكميات المطلوبة منه.
٭ الثانية، فهي حينما بدأ النشاط الاقتصادي يعود إلى طبيعته في نوفمبر من عام 2020 وحتى وقتنا الحالي.
فعندها عادت المصانع إلى نشاطها تدريجيا لكنها لم تكن جاهزة لتوفير كميات الطلب العالمي وذلك بسبب فترة إغلاق المصانع التي تسببت في نقص العمال والمواد الأولية ومنها خام الحديد.
ومع التطورات الطبية التي شهدها العالم من انتشار جرعات اللقاح المضادة لفيروس كورونا بمختلف أنواعها والتي أدت إلى تسارع معدلات النمو الاقتصادي خاصة في الدول الصناعية بعد مرحلة الانكماش التي مر بها، ارتفع سعر الحديد الصلب بسبب ارتفاع الطلب عليه بشكل ملحوظ نظرا لاعتماد الصناعات في تلك الدول على استخدام الصلب بشكل كبير.
وبدوره أدى تسارع النمو في الطلب على الحديد الصلب مع بطء النمو في المعروض منه إلى ارتفاعات في أسعاره على فترات متتالية.
ارتفاع الأسعار المحلية
لم تكن الكويت بمنأى عن هذه الارتفاعات لأسعار الحديد الصلب في مختلف أنحاء العالم، حيث يتم انتاج الحديد في الكويت إما عن طريق استيراد خام الحديد من الخارج أو استخدام الخردة (السكراب المحلي)، بيد أن الانتاج المحلي من الحديد لا يغطي كميات الطلب عليه، وبالتالي يلجأ الموردون إلى سد النقص في الكميات المطلوبة من الحديد محليا باللجوء إلى استيراده من الخارج، فمن الطبيعي أن يتأثر سعر الحديد داخل الكويت طرديا تماشيا مع الارتفاعات العالمية.
وقد ارتفع سعر حديد التسليح المحلي من 170 دينارا للطن في فبراير 2020 إلى أن وصل إلى 254 دينارا مع نهاية مايو 2021، أي بنسبة زيادة قاربت الـ 50% خلال آخر 16 شهرا، وذلك بحسب نشرات وزارة التجارة والصناعة لمواد البناء، وجاءت هذه الارتفاعات في أسعار الحديد بمعدل أقل من معدلات ارتفاع أسعار الحديد عالميا والتي جاوزت الـ80% حسب بورصة لندن للمعادن لنفس الفترة وللأسباب المذكورة أعلاه.
إجراءات «التجارة»
استجابة للارتفاعات المتوالية في الأسعار العالمية والمحلية للحديد، أصدرت وزارة التجارة والصناعة مجموعة من القرارات تقضي بموجبها الحد من زيادة أسعار الحديد المبالغ فيها وتوفيره للمستهلك بشكل مستمر، ومن هذه القرارات حظر تصدير حديد التسليح وبقية المواد الإنشائية للحفاظ على أسعار متوازنة في السوق المحلي واستمرار توفير هذه السلع للمستهلك وعدم انقطاعها من السوق.
كما أصدر وزير التجارة والصناعة مؤخرا قرارا وزاريا يسمح به للأفراد باستيراد مواد البناء من الخارج ومنها الحديد في حال تم الحصول عليها بأسعار أقل من أسعار السوق الكويتي، وهذا بدوره يفتح عدة خيارات للمواطنين لشراء المواد الانشائية محليا أو خارجيا لتسهيل عملية البناء لديهم.
وبالإضافة إلى هذه الاجراءات، تم تكثيف الجولات التفتيشية على أسعار الحديد منذ تحرك الأسعار نحو الارتفاع، لكي لا تكون هناك ارتفاعات مصطنعة من بعض ضعاف النفوس تحججا بارتفاعات الأسعار العالمية واستغلالا لحاجة المستهلك، وهذا التنوع من الاجراءات يجعل الارتفاع في سعر الحديد محليا متسقا مع الارتفاعات العالمية للأسعار التي ليس لوزارة التجارة أي دور فيها.
التوقعات المستقبلية لأسواق الحديد
هناك عدة عوامل تشير إلى أن الزيادة في الطلب على الحديد الصلب ومحدودية العرض منه ستستمر وبالتالي زيادة الضغط على الأسعار خلال العام الحالي.
من هذه العوامل، تفاؤل صندوق النقد الدولي برفع توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي بمقدار نصف نقطة ليصل إلى 6% لعام 2021.
ومنها كذلك تعاقد الحكومة الصينية مع شركات الحديد الصلب بخفض الانتاج بهدف السيطرة على انبعاثات الكربون للحفاظ على البيئة مما سيؤدي إلى تخفيض مخزون حديد التسليح مع تزايد الطلب عليه.
هذا بالإضافة إلى توتر العلاقة الاقتصادية بين استراليا (أكبر الدول المنتجة لخام الحديد في العالم) والصين (أكبر الدول المصنعة للحديد الصلب في العالم) وإعلان الصين تعليق الأنشطة الاقتصادية لاستكمال الحوار الاقتصادي الاستراتيجي بين البلدين سيزيد من الضغط أيضا على أسعار الحديد الصلب نحو الارتفاع.