منصات التبرعات الحكومية.. وحرية العمل الخيري – بقلم : د. سامر أبورمان
يتجدد الجدل حول تعدد منصات جمع التبرعات الرسمية في بعض الدول ذات الوفرة المالية والتي تشهد حملات مليونية لجمع الأموال الخيرية، فهناك من يرون أن وجود هذه المنصات وتعددها، إلى جانب المنصات الأخرى التي تطلقها الجهات الأهلية، هو الحل الأمثل لوقاية العمل الخيري من تهم دعم الإرهاب وغسيل الأموال، وأنه يسهل وصول الجمعيات الخيرية إلى جمهور المتبرعين، مع إلزامها بمتطلبات الحوكمة، الأمر الذي سيعزز ثقة المتبرع في وصول الأموال إلى من يستحقونها، وسيسهل الوصول إلى شرائح من المتبرعين، يراها بعضهم غير قليلة، قد تتخوف من التبرع المباشر إلى الجهات الخيرية، بسبب محدودية تجاربها الشخصية، أو تأثرا بالحراك الإعلامي السلبي الذي كان موجودا لعقود تجاه العمل الخيري، كما أنه سيوسع من آفاق التسويق للعمل الخيري، وتحفيز الجمعيات الخيرية على تقديم مبادرات نوعية تعزز من الصورة الإيجابية للقطاع الخيري أمام الجمهور، وربما يستجلب تبرعات من الخارج، وسيزيد من وتيرة العمل على جعل القطاع الخيري أكثر شفافية، أمام الجهات الحكومية الإشرافية وجمهور المتبرعين على حد سواء!
في المقابل، يرى آخرون أن تعدد المنصات الحكومية، بما تحظى به من دعم رسمي، وما يضفيه هذا الدعم من الموثوقية، سيجعلها منافسا قويا للجمعيات الخيرية على استقطاب المتبرعين، وسيفقدهم تدريجيا الثقة بالتبرع المباشر لها، وسيحد من تنوع منافذها ومشاريعها وقتل روح الإبداع في عملها، بحرمانها من التفاعل المباشر مع الجمهور! ومن جهة أخرى، يخشى هؤلاء، أن تتأثر هذه المنصات بالتوجهات الحكومية، وأن تصبح ذراعا خفية لها لتحقيق مآرب سياسية قد نتفق أو نختلف معها، حتى لو كان ظاهرها التنمية والخير بالمفهوم الواسع، كما يتحسبون من وجود هذه المنصات وتعددها أن يكون تمهيدا لمركزية التبرعات الموجهة إلى الداخل، كما حدث مع التبرعات الموجهة إلى الخارج وفيه قتل لروح الإبداع والتنوع والحرية في خريطة العمل الخيري الدولي.
تجدر الإشارة هنا إلى المؤشر العالمي لبيئة العمل الخيري Global Philanthropy Environment Index، والذي تصدره جامعة إنديانا، ويعتبر أكبر وأشمل جهد بحثي لتوثيق حالة العمل الخيري العالمي والعوامل التي تعزز أو تمنع نجاحه، من خلال عدة مؤشرات فرعية يتم السؤال عنها مثل: البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومدى تشجيعها على العمل الخيري، وتدفقات الموارد الخيرية دخولا وخروجا عبر الحدود، وسهولة العمل، وهذه الأخيرة يتم قياسها من عدة جوانب من أهمها مدى حرية الجمعيات في ممارسة عملها دون تدخل حكومي مفرط، ومن البديهي أن جمع التبرعات هو الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها الجمعيات الخيرية، لتوفير الموارد المالية سواء للمشاريع التي تقوم بها، أو لمصاريفها الإدارية والتشغيلية.
إن وجود المنصات الحكومية وتعددها، ظاهرة مستحسنة، إذا توافرت ضمانات حقيقية تحول دون حدوث المخاوف التي سبق ذكرها، حين تكون علاقتها مع الجمعيات الخيرية قائمة على التعاون وليس التنافس، بأن تعمل المنصات على إبراز الجمعيات الخيرية الفاعلة في الميدان، وعملها الذي لولاه لما قامت المنصات أصلا، وأن تنظر الجمعيات بدورها إلى المنصات كأداة للتمكين وتسهيل جمع التبرعات وتوجيهها، وحافزا لها على الإبداع والابتكار وتقديم المبادرات والمشاريع والحملات النوعية، ورصد البيانات وتحديثها، وترسيخ شفافيتها أمام جمهور المتبرعين.