سمو الأمير في أول خطاب له بعد توليه مقاليد الحكم
الكويت – النخبة:
تحل يوم غد الثلاثاء الذكرى ال 12 لإلقاء حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح خطابه التاريخي الأول وذلك بعد ساعات قليلة من تولي سموه مقاليد الحكم في البلاد.
ففي ذلك الخطاب توجه سموه إلى شعبه مخاطبا إياهم ب”بني وطني” ليجسد بذلك عمق العلاقة بين الحاكم والمحكوم التي قامت ولا تزال على مبادئ الشورى والتعاون والحب والولاء ما مكن الكويت أن تتبوأ مكانة بارزة ووجودا حيويا على خريطة العالم مؤكدا سموه في كلماته الخالدة “أن الكويت هي التاج الذي على رؤوسنا وهي الهوى المتغلغل في أعماق أفئدتنا”.
وفيما يلي نص الخطاب الذي ألقاه سمو أمير البلاد صباح الثلاثين من شهر يناير عام 2006:
“بسم الله الرحمن الرحيم (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري) إخواني أبناء وطني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، الحمد لله الذي تفضل على هذا البلد الطيب فوفق أهله أن يكونوا صفا كأنهم بنيان مرصوص وأصلي وأسلم على نبي الهدى الذي علمنا أن سلامة الجماعة إنما تكمن في وحدتها وأن قوتها إنما تكمن في تماسكها.
بني وطني أحييكم تحية الإخاء وأتحدث اليكم حديث القلب للقلب لقد جمعتنا القلوب قبل أن تجمعنا الدروب فأصبحنا كتلة واحدة متراصة متماسكة وليس هناك دليل على ذلك أقوى من تلك المشاعر الفياضة التي عبرنا عنها جميعا يوم ودعنا أميرنا وقائد مسيرتنا والأب الذي وضعنا على الطريق السليم أميرنا الراحل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ جابر الأحمد الصباح طيب الله ثراه وأسكنه جنات النعيم.
لقد عرفه كل كويتي على هذه الأرض قلبا كبيرا وبصيرة نافذة ويدا خيرة وفقده بالنسبة لكل فرد منا خسارة فادحة جعلتنا كتلة من الحزن والأسى فقد كان القائد الحكيم والأب الرحيم حمل الأمانة وقام بأعبائها خير قيام جعل عمره كله فترة عمل متواصلة وكرس فكرة كله من أجل الكويت وقد سن لنا السنة الحميدة ورسم لنا الطريق الصحيح وضرب لنا المثل الأعلى في الإخلاص في العمل والوفاء للوطن والحكمة في معالجة الأمور والصبر على الشدائد والمحن والإصرار على تحقيق الطموحات والأهداف رحمه الله رحمة واسعة.
بني وطني إذا كانت مشيئة الله سبحانه وتعالى قد قضت للكويت بأن تفقد قائدها في مرحلة حافلة بالتطورات فإن الشعب الكويتي الوفي لا ينسى رجلا عظيما وقف الى جوار أخيه جابر الأحمد وكان ساعده الأيمن في صناعة نهضة الكويت هو صاحب السمو الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح فقد رأيناه في الخطب الجلل قائدا حكيما وعقلا كبيرا وإرادة صلبة كل ذلك في حكمة وحلم لا تستفزه الأحداث وإذا كانت الظروف الصحية قد حالت بينه وبين مواقع العمل الوطني الذي أحبه فقد كفلت له أعماله المضيئة موقع الشرف والتكريم في سجل هذا الوطن الغالي وفي كل قلب عرفه وأحبه رجلا من أعز الرجال وأكرمهم وواحدا من صناع تاريخ الكويت الحديث.
بني وطني إنني اليوم لأعدكم على حمل الأمانة وتولي المسؤولية والسير بها قدما على طريق أسلافنا العظام مستنيرا بحكمتهم ورؤاهم إن الثقة التي عبرتم عنها بشخصي – وأنا واحد منكم – لا يمكن أن أبادلكم عنها بالشكر فقط وإنما بالعمل من أجل الكويت ومن أجلكم فأنتم شيبا وشبابا رجالا ونساء – أنتم لبنات هذا الوطن التي يتكون منها البناء الشامخ الرصين الذي يواجه الأحداث بكل متغيراتها.
إن البلدان والدول بشعوبها وأبنائها فإن كانوا أقوياء كانت الدول والبلدان قوية مكينة صامدة وشعب الكويت الذي ضرب مثلا مشرفا في الوعي المستنير كان شعبا قويا طوال تاريخه فقد صمد للتحديات والمتغيرات وعمل على أن تكون للكويت -على صغرها- مكانة بارزة ووجود حيوي ثابت فقد تعلق بأرضه وأحب وطنه فالكويت هي التاج الذي على رؤوسنا وهي الهوى المتغلغل في أعماق أفئدتنا فليس في القلب والفؤاد شيء غير الكويت وليس هناك حب أعظم من حب الكويت الأرض العزيزة التي عشنا على ثراها وسطرنا عليها تاريخنا وأمجادنا ومنجزاتنا.
هذه هي الكويت التي أطلب منكم اليوم أن نكون جميعا لها جنودا ودرعا حصينا نحميها ونصونها كما حماها وصانها آباؤنا وأجدادنا فنحن نبدأ عصرا جديدا نتطلع فيه بلهفة وشوق الى تحقيق كل طموحاتنا وآمالنا في خلق دولة عصرية حديثة مزودة بالعلم والمعرفة يسودها التعاون والإخاء والمحبة بين سكانها ويتمتعون جميعهم بالمساواة في الحقوق والواجبات والمحافظة على الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير لا فرق بين رجال ونساء فهم جميعا سواسية أمام القانون وعلى كاهلهم تقع مسؤولية خدمة الوطن والنهوض به.
بني وطني لا يمكن أن ينجح القائد في مهمته إلا بتعاون شعبه تعاونا حقيقيا وإنني لأتطلع إليكم مليء الثقة أن نضع أيدينا مجتمعة لبدء عصر جديد من العمل الجاد لقد كنا طوال السنين نصبو بتلهف وشوق الى وطن مثالي يسوده النظام ويعمل أهله بإخلاص للنهوض به كما نشاهد ونرى في البلدان المتقدمة الأخرى.
وها أنا اليوم أقول لكم إن هذه مشاعري وهذا هو رجائي وأملي فلنعمل جميعا على تحقيق هذا الحلم الذي نهفو إليه نحن نتطلع الى وطن متقدم في شتى المجالات يعمل أهله بإخلاص ووفاء يجعلون مصلحة الوطن قبل مصلحتهم ويتجاهلون منافعهم الذاتية في سبيل منفعة الجميع يحرصون على مصلحة الوطن وممتلكاته ومنجزاته ويثرونه بالعمل والإنتاج والحفاظ على الوقت والثروة ويحترمون القانون والنظام وإنني لواثق تماما أننا جميعا – مسؤولين وغير مسؤولين – إن وطدنا العزم على تحقيق ذلك فسيكون وطننا مزدهرا وحياتنا سعيدة وسنضرب مثلا للآخرين بأننا شعب يحب العمل والإنتاج وإثراء الحياة.
ولعلي هنا أجدها مناسبة سانحة للاشادة بدور صحافتنا المحلية البناء والمتميز في تناولها وتغطيتها للتجربة الدقيقة التي مرت بها البلاد وما اتسمت به من حكمة واتزان وروح المسؤولية انطلاقا من حرصها على المصلحة العليا للوطن فكانت كما عهدناها عند حسن الظن ومحل التقدير.
إن الكويت – أيها الأخوة أبناء وطني – تنتظر منا الكثير فلقد سبقتنا شعوب وبلدان ليس لها من الإمكانات ما لدينا وعلينا ألا نظل كما نحن واجبنا أن نحول الكويت الى بؤرة من العمل الجاد والأهم أن نثمن الوقت وأن ندرك أن الوقت ثروة كبيرة يجب ألا تضيع سدى.
فلننطلق أيها الأخوة الى العمل الى كويت جديدة تخطو بثقة وعزم واقتدار الى الأمام في زمن لا يعرف التوقف أو الانتظار.
لنسير على بركة الله بهدي من كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم.
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.