تعرف على قصة الفتاة ذات الوجه المنصهر
تعرضت فتاة أفغانية تدعى زبيدة حسن لحادث مروع أفضى إلى تشويهها تماما، فأصبحت تخشى حتى النظر إلى نفسها في المرآة.
وكانت زبيدة حسن يافعة لم تتجاوز التاسعة من عمرها عندما تعرضت للحادث المروع، بيد أنها اكتسبت وجهاً جديداً، ومظهراً جديداً، كما تغيرت نظرتها إلى الحياة، بعد أن أجريت لها 13 عملية تجميلية عندما بلغت سن الثالثة عشرة.
وزبيدة هي فتاة أفغانية أقدمت على إضرام النار في نفسها بسكب مادة البرافين على اللهب الذي اندلعت ألسنته ونشبت في وجهها؛ وكان ذلك في شهر اغسطس من عام 2001م. وقد استأجر والدها محمد سيارة وهرع مسرعاً من قريته، قرية فرح التي ترتدي الفقر جلباباً ويعيش أهلها في فاقة وعوز ومسغبة، قاصداً بها أقرب مستشفى بأقرب مدينة. وبعد أن قام الأطباء بتنظيف الحروق وتغطيتها بالمراهم المسكنة للألم، أفادوا والدها بأن إصابة ابنته بالغة السوء وشديدة الخطورة، وأن غاية ما يستطيع أن يفعله لأجلها هو أن يعود بها إلى المنزل لتنتظر أجلها وتواجه مصيرها المحتوم؛ إلا أنه بصورة أو بأخرى كتبت النجاة للطفلة فظلت باقية على قيد الحياة.
وبما أنه لم يتم تقديم العلاج الطبي اللازم لها، فإن الأنسجة المحترقة المهترئة أدت إلى تكوين نسيج غشائي حول حنجرتها كما تمدد وجهها متدلياً نحو صدرها في منظر عجيب وغريب وصفته بنفسها بقولها: «فقدت رقبتي وكنت لا أستطيع تحريك رأسي. وقد ظل الناس ينظرون لي بعين الرعب والذعر والاستغراب كما أن الأطفال الآخرين بالقرية كانت ترتعد فرائصهم خوفاً مني. وكان قصارى ما أستطيع أن أفعله هو التفكير في كيفية إخفاء نفسي».
وبدا أنه ليس أمام زبيدة سوى أن تعيش في الظل وتظل خدر البيت.
وبدت قانعة خانعة مستسلمة ففرضت حول نفسها سياجاً من العزلة ورفضت أن تغادر كوخ ذويها قيد أنملة وتوارت عن الأنظار خشية أن يراها الناس على ماهي عليه – بل إنها امتنعت حتى عن مجرد النظر إلى المرآة. وقد وصفت مأساتها قولها: «كنت أبدو غريبة الخلقة عجيبة الهيئة ولم أكن أطيق النظر إلى نفسي». وبرغم أن الحرب التي تخوضها أمريكا في أفغانستان لم تصل إطلاقاً إلى قرية فرح النائية حيث تقطن زبيدة مع ذويها وعشيرتها، فإن أهالي القرية قد نما إلى أسماعهم أمر تلك الحرب في المدن الكبرى، وبالتالي لم يجد محمد والد زبيدة بداً من اصطحاب ابنته إلى مدينة قندهار على بعد حوالي 200 ميل قاصداً بها الأمريكيين علهم يستطيعون مساعدته.
وتتحدث زبيدة في هذا الخصوص قائلة: «لم يكن أبي يرغب في الذهاب بي إلى أتون الحرب ولكن لم يكن أمامه أي خيار آخر لمساعدتي. وقد استبدت الدهشة أيما استبداد بأحد الجنود عندما أمطت النقاب عن رأسي». وسرعان تناقل الأمريكيون أمر الفتاة ذات الوجه المنصهر، وسرت أخبارهم في أوساطهم سريان النار في الهشيم. وقد تناهت قصة زبيدة إلى أسماع مايكل غراي الذي يعمل في مجال الإغاثة فاتصل فوراً على أفراد أسرته في أمريكا؛ حيث أن أخته ريبيكا متزوجة من جراح بارع وحاذق في علاج الحروق، هو الدكتور بيتر غروسمان الذي يتولى إدارة مستوصف غروسمان للحروق في لوس أنجلس، والذي يدلي بدلوه قائلاً: أرسل لي مايكل صورة زبيدة عبر البريد الإلكتروني، وقد تأثرت أيما تأثر بالحزن الذي كانت تتشح به ويظهر في عينيها.
فقد كانت فتاة تبدو مثل رجل بلغ من الكبر عتياً بعد أن فاض به إناء العمر وتركت أصابع الزمن بصماتها عليه. بيد أنني قلت لنفسي: «بوسعي أن أعالجها».
أما زوجته ريبيكا، فقد خاطبت جمعية خيرية وحصلت منها على تبرعات لتغطية تكاليف العمليات الجراحية. ووصلت زبيدة إلى الولايات المتحدة برفقة والدها في عام 2002م. وقد وصف الدكتور غروسمان حالتها بقوله: إن زبيدة لم تكن تستطيع أن تأكل أو تغلق فمها لأن وجهها كانت مشدوداً إلى أسفل وكانت الأولية القصوى لدينا تتمثل في تخليص وجهها من براثن صدرها. «وتلت ذلك سلسلة من عمليات ترقيع البشرة باستخدام أجزاء من ظهرها وفخذيها لتجميل وجهها». وعلى إثر ذلك تحدثت زبيدة قائلة: «عندما تم السماح لي بمشاهدة نفسي في المرآة، لم أتعرف على نفسي. فقد عادت رقبتي واستعادت وضعها الطبيعي. لم أكد أصدق ما رأيت. واشتريت أقراط أذنين وبدأت أشعر بأنني عدت فتاة مرة أخرى».
وقد أصبح الدكتور غروسمان وزوجته هما المسئولين عن زبيدة بعد أن غادر والدها الولايات المتحدة عائداً إلى أفغانستان، حيث بدأت سلسلة أخرى من عمليات ترقيع البشرة. وأفاد الدكتور غروسمان بأن زبيدة لم تكن تجيد اللغة الإنجليزية في بادئ الأمر بينما لا يستطيع هو أن يتحدث لغتها الأم، لغة داري. بيد أن زبيدة سرعان ما تمكنت من إتقان اللغة الإنجليزية، بل والتحقت بالمدرسة. وقد عادت أخيراً إلى موطنها أفغانستان ولكنها ظلت على اتصال بكل من غروسمان وزوجته وابنتهما أليكسيس البالغة من العمر 19 شهراً.
وقد عادت زبيدة مجدداً إلى لوس أنجلس للدراسة لمدة ثلاثة أشهر وستعود مرة أخرى لإجراء المزيد من عمليات ترقيع البشرة. وهي بكل حال مسرورة لما آل إليه وضع وجهها في منظره الجديد. وقد أماطت اللثام في نهاية المطاف عن رغبتها في أن تصبح طبيبة، مثل الدكتور بيتر غروسمان.