التجمعات البشرية (التجمعات البدائية) – بقلم : حماد مشعان النومسي
يدلل الباحثون في العلوم الاجتماعية، لاسيما علم الاجتماع والأنثروبولوجي بتعبير التجمعات البدائية (Primitive society)، على معان متقاربة في شؤون ومتباعدة في شؤون أخرى، ويكون استخدام هذا التعبير للتدليل على المجتمعات الإنسانية التي لم تعرف الثقافة المادية والعلوم المدونة، أو الحضارة التي لم يستخدم أفرادها لغة تحتوي على حروف مكتوبة، فيكون انتقال الموروث الحضاري الى هذه التجمعات كالتقاليد والأعراف والقيم والاعتقادات من الأجيال السابقة إلى اللاحقة بواسطة صدور الرجال والوصايا الشفوية.
ويحتفظ الأفراد في ذاكرتهم بالصور العقلية والتصورات الذهنية التي يشرحها لهم من سبقهم خلال مسيرة حياتهم، فتعتبر لهم بوصلة التوجيه في الحكم على الأشياء وفي القدرة على التفريق بين أصناف السلوك الاجتماعي، والتمييز بين ما هو صالح وغير صالح.
كما يستخدم تعبير التجمعات البدائية للتدليل على المجتمع الإنساني الذي ينعدم فيه استخدام القواعد الفنية والإنجازات التقنية بسبب عدم القدرة على تطوير الأدوات خاصة في مجال صناعة وإنتاج السلاح والدواء والمأكل والملبس، حيث تسهم درجة التطور لهذه الأدوات بمعرفة درجة التطور الاقتصادي والاجتماعي للسكان والمجاميع البشرية.
***
وواقع التجمعات البدائية يتمحور حول فكرة القطيع التابع لرأس واحد متبوع، وواقع الإنسان وفطرته الأولى يأتيان من خلفية حب هذا الواحد القوي الذي يليق بأن يتبع ويطاع، فشيخ القبيلة واحد والملك واحد والأب واحد وقائد الحرب واحد، ولا وجود لقائدين أو رئيسين في عقلية وتصور أصحاب هذا المنهج الهرمي.
وبطبيعة الأشياء يسعى هذا الكائن الواحد المطاع، إلى تدمير أي تجمع مبني على أساس جماعي أو فني أو علمي أو سياسي أو فكري، لأن هذا النوع من التجمعات بالضرورة يحل محل تجمعاته البدائية (القبلية والطائفية).
وعند دراسة الكينونة البشرية نجد أن هذا الكائن الواحد مغروس في نفس الإنسان أصلا، وصفة متأصلة في ذاته يحاول تطبيقها على هذا الكون، بل أستطيع القول إنها ثقافة لم تبدأ إلا حينما بدأت المجتمعات البشرية في التجمعات.
***
وهذه التجمعات البدائية ساهم بتشكيلها كما أسلفت التقاليد والأعراف والقيم والاعتقادات، وقد ضبطت هذه التقاليد والأعراف والقيم والاعتقادات وحتى الوثنية والخرافية منها العلاقات الاجتماعية في التجمعات البدائية، حيث إن هذا النسق المعيشي لا يحتاج إلى أكثر من تلك الاعتقادات لضبطه، ولأن هذه الاعتقادات أيضا تعتبر بمنزلة عقود اجتماعية وسلسلة انقياد لهذه المجتمعات.
***
المدافعون عن التجمعات الإنسانية البدائية يعزون سبب وجودها إلى المحافظة على الجنس البشرى، وأن الإنسان لم ينجح قط في غير هذه التجمعات لإنقاذ نفسه من الإبادة.
وأنا أقول وإن كانوا محقين إلى حد ما لكن هذا لا يعدو كونه استسهالا لعملية البحث عن حلول حقيقية، كما أن هذه العقيدة تستمد جذورها الأنثروبولوجية من غريزة القطيع الحيوانية الأولى، وكأنها بشكل أو بآخر محاولة لتأصيل وتسويق نظرية داروين الساقطة في التطور، خاصة عملية الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي.
كما أن المدافعين عن وجود واستمرار هذه التجمعات البدائية يتذرعون بعامل الزمن وأنه كفيل بالتطور وإيجاد بدائل عن تجمعاتهم البدائية لاحقا، وهذا غير صحيح، فالزمن ليس العامل الوحيد في التطور، فكم من حضارات قديمة جدا كانت متطورة بمراحل ماديا وفكريا أكثر من التجمعات البشرية البدائية في عصرنا (المعرفي) الحاضر.