«مرساك» – بقلم : فاطمة المزيعل
يقول عنترة العبسي:
وإذا نزلت بدار ذل فارحل
وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهل
وإذا الجبان نهاك يوم كريهة
خوفا عليك من ازدحام الجحفل
فاعص مقالته ولا تحفل بها
واقدم إذا حق اللقا في الأول
واختر لنفسك منزلا تعلو به
أو مت كريما تحت ظل القسطل
إذا أردت أن تعرف قيمة ذاتك الحقيقية فعليك برفعها عن جميع مواضع الإهانة وعدم التقدير، وألا تسمح أبدا لأي شخص كان بالكذب عليك أو الاستخفاف بك، او بأن يريق ماء وجهه من خلالك ليبقى هو دوما موفور الكرامة ومرتاح البال والعقل والضمير، على حساب قيمة شخصك وذاتك.
ضع إطارا موحدا لقيمتك وجميع معاييرك لكي تفرضها على غيرك كي يحترموها رغما عنهم، ولن يتمادوا معك باستخدام كلام او أفعال معينة هدفها وخزك واستفزازك، وكي لا يتجرأوا أبدا باللف والدوران عليك، فتتيح لهم ولأشكالهم الفرصة للتحجيم والتصغير من عقليتك وفكرك وبعضا من تحليلاتك، هذا فقط ليثبتوا أنهم دائما على صواب وأنت الذي دائما متسرع وعلى خطأ، لذلك تسرعت بحكمك عليهم، بالرغم من انك لم تتسرع بل اكتشفت تصرفاتهم المفضوحة أمامك، فاستمروا هم بممارسة «سيناريوهاتهم» عليك، باعتقادهم أنك «أضحوكة» وأبدا لن تستوعبها، لكن الأضحوكة حقا هي سخافتهم، حين ظنوا أنك لن تكشفهم، فحين يكذب أحدهم عليك تيقن أنه لم يحترم نفسه بالمقام الأول بشكل كاف! فكيف له أن يحترمك؟!
بخلاف انك خلقت أولا وأخيرا لله بكل وجودك وليس لهم ولترهاتهم، فابتعد عن كل من لم يحترم وجودك وكيانك، وتأكد أن قيمة المرء لا تقاس بتلك الصورة أو بذلك المنطق أبدا.
والذل بل كل الذل هو أن تشحت من أشخاص كهؤلاء قيمتك! وتذكر قاعدتين ذهبيتين: الأولى: أنك في زمن يتعامل فيه أغلب الناس معك بالمزاج والمصالح لا المبادئ والقيم، أما الثانية فهي أن: قيمتك لا تكون بإعجابهم بك ورضاهم عن شخصك، وحبهم لك، بل برضا الله عنك، فأكرمها وحافظ عليها بعيدا عنهم، وعن كل شخص ساذج ورخيص مثلهم.
يقال: «ان الكثير من الناس يبالغون في تقدير ما هم ليسوا عليه، ويقللون من قيمة ما هم عليه»، أما أنت فكل ما عليك فعله هو أن تكون شامخا، واثقا وفخورا بنفسك، بعيدا عن المبالغة وبعيدا عن التقليل، ومن دون ان تقف على عتبات مرساك، منتظرا من هذا أو ذاك أن يمدك من خلال رأيه فيك بأوكسجين حياتك، وإن لم تسايره وتطأطأ برأسك مهما حصل له، وتصدق كذباته، سرعان ما سينقلب رأسا على عقب حالك!
فتحرر من ذلك المعيار، فلا أحد يعرف ما تشعر وتحس وتمر به، كما تأكد أيضا أن لكل شخص في هذه الحياة نظرته التي طبعت في ذهنه، أي قد لا تتعدى تلك النظرة مستوى عقليته ومزاجه، فلا تعتمد على الآخرين لتكون أنت!
يقال: «بدلا من أن تأخذ من قيمتك لتلائم ما يحيط بك، اقتطع من العالم لكي يلائمك أنت».