الفساد السعودي وفندق الريتز كارلتون.. القصة من البداية للنهاية
الرياض – النخبة:
طوت حملة مكافحة الفساد في السعودية أمس واحدة من أبرز فصولها التي بدأت قبل نحو 82 يوماً، وبالتحديد في 2 نوفمبر الماضي.
هذه الحملة التي اتخذت من فندق “الريتز كارلتون” مكاناً لاحتجاز الموقوفين بتهم الفساد تكللت بالنجاح عبر إنجاز تسويات تقدر قيمتها بنحو 400 مليار ريال، تعتبر الأجرأ في تاريخ المملكة من حيث قوتها وضخامة قيمة هذه التسويات، التي ستدر دخلاً سنوياً على خزينة المملكة العربية السعودية يقدر بـ30 مليار ريال سنويا، بحسب شركة الراجحي كابيتال المالية.
ورغم تشكيك البعض في هذه الحملة إلا أنها، وهي تشرف على نهايتها بنجاح، تحسب لخادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي جاء رده قوياً حينما سئل عن أنها وسيلة لانتزاع السلطة، من صحفي “نيويورك تايمز” فقال “إنه لأمرٌ مُضحك” أن تقول بأن حملة مكافحة الفساد هذه كانت وسيلةً لانتزاع السلطة، مشيرا إلى أن الأعضاء البارزين من الأشخاص المُحتجزين في الريتز قد أعلنوا مسبقًا بيعتهم له ودعمهم لإصلاحاته.
المليارات العائدة إلى خزينة الدولة من تسويات تاريخية ما كان ليقدر لها النجاح إلا بإرادة قوية من لجنة مكافحة الفساد التي أمر خادم الحرمين بتشكيلها في 7 نوفمبر الماضي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة، من أجل متابعة قضايا المال العام ومكافحة الفساد.
بداية القصة
القصة بدأت فعليا في 2 نوفمبر الماضي حيث أوقفت لجنة مكافحة الفساد 11 أميراً وعشرات الوزراء السابقين، و4 وزراء حاليين، وذلك بعد تكليفها اتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام واتخاذ ما تراه بحق الأشخاص والكيانات والأموال والأصول الثابتة والمنقولة في الداخل والخارج وإعادة الأموال للخزينة العامة للدولة وتسجيل الممتلكات والأصول باسم عقارات الدولة.
عقب بدء الحملة وبالتحديد في 6 نوفمبر تفاعلت الأسواق العالمية إيجابيا مع الحملة حيث ارتفعت هوامش السندات الدولية السعودية.
وراعت الحملة منذ انطلاقها عدم تأثر أنشطة الشركات التي أوقف أصحابها، خاصة وأن الحملة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد وتحفيز الاستثمار في بيئة صحية عادلة، بحسب ما أعلنته المملكة في 7 نوفمبر.
بعد أيام أيضا من إطلاق الحملة وبالتحديد في 9 نوفمبر أضيفت لائحة جديدة من المتهمين بالفساد، إذ تم تجميد مزيد من الأرصدة وصلت إلى 1700 حساب بنكي، وشملت الإيقافات مدراء ومسؤولين في المؤسسات الحكومية والقضائية.
تساؤلات
وبمرور الوقت أفردت الصحف العالمية مساحات كبيرة لحملة مكافحة الفساد، عبر مزيد من التساؤلات التي رد عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي قال لصحيفة “نيويورك تايمز”، في 24 نوفمبر، إن الحكومة كانت قد شنت أكثر من “حرب على الفساد” لكنها فشلت تقريباً، وذلك “لأن جميع تلك الحملات بدأت عند الطبقة الكادحة صعوداً إلى غيرها من الطبقات المرموقة”.
وأضاف “رأى والدي أنه ليس من الممكن أن نبقى ضمن “مجموعة العشرين” في حين تنمو بلادنا بهذا المستوى من الفساد. ففي وقتٍ سابق من العام 2015م كانت أول الأوامر التي أعطاها والدي لفريقه هي جمع كل البيانات المتعلقة بالفساد لدى الطبقة العليا. ولقد ظل الفريق يعمل لمدة عامين كاملين حتى توصلوا لجمع هذه المعلومات الأكثر دقةً، ومن ثم جاؤوا بحوالي 200 اسم”.
أصحاب المليارات
“كل من اشتُبه به سواءً كان من أصحاب المليارات أو أميراً فقد تم القبض عليه ووضعه أمام خيارين: “لقد أريناهم جميع الملفات التي بحوزتنا، وبمجرد أن اطلعوا عليها، وافق ما نسبته 95% منهم على التسويات”، الأمر الذي يعني أن عليهم دفع مبالغ مادية أو وضع أسهم من شركاتهم في وزارة المالية السعودية.
شهر ديسمبر أيضا حمل عددا من المفاجآت، ففي 5 ديسمبر كشف النائب العام الشيخ سعود بن عبدالله المعجبان عدد الأشخاص الذين استدعتهم اللجنة، حيث بلغ عددهم 320 شخصاً، وأحيل عدد منهم للنيابة العامة، وبهذا أصبح عدد الموقوفين حتى تاريخه 159 شخصاً، وتم الحجز على 376 حسابا بنكيا.
وقدر مكتب النائب العام أن تصل قيمة هذه الأموال إلى 100 مليار دولار.
دعم المواطنين
كما كشف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أجراها الكاتب الأميركي توماس فريدمان، أن 95% من الموقوفين بتهم الفساد وافقوا على التسوية وإعادة الأموال. وأضاف أن نحو 1%، أثبتوا براءتهم وانتهت قضاياهم، كما أن 4%، منهم أنكروا تهم الفساد وأبدوا رغبتهم بالتوجه إلى القضاء.
ومن المرتقب بحسب تصريح لوزير المالية السعودي محمد الجدعان لـ”العربية” في دافوس 24 يناير الجاري، أن تستخدم تسويات الفساد في سداد جزء من تكلفة الأوامر الملكية لدعم المواطنين.
في 30 يناير، كان الموعد مع أحد أبرز فصول حملة مكافحة الفساد في السعودية، والموقوفين في فندق الريتز كارلتون، حيث أعلن النائب العام أن 56 شخصاً لا يزالون موقوفين في إطار تحقيقات الفساد، وأن القيمة التقديرية للتسويات تخطت حتى الآن 400 مليار ريال.
كيف كانت النهاية؟
وكشف النائب العام عن الإفراج تباعاً عمن لم تثبت عليهم تهمة الفساد، وذلك بناء على ما توفر من أدلة وبراهين إضافة لإفادات الشهود، وكذلك الإفراج تباعاً عمن تمت التسوية معهم بعد إقرارهم بما نسب إليهم من تهم فساد.
ويعادل هذا المبلغ ضعف عجز الموازنة السعودية المتوقع هذا العام عند 195 مليار ريال، كما يعادل أيضا بيع 1.8 مليار برميل من النفط بمتوسط أسعار يبلغ 60 دولارا للبرميل، أو ما يعادل إيرادات المملكة من تصدير النفط للعام 2017 بأكمله.
“وبعيدا عن الأرقام، تبقى الفائدة الأهم والأطول أمداً لحملة مكافحة الفساد هو تأثيرها على زيادة الثقة بممارسة الأعمال في المملكة، حيث البقاء للأفضل والأكثر كفاءة، وليس للرشاوى أو المحسوبيات، ويبقى الرابح الأول والأخير الدولة والمواطن السعودي”.