شبكة سكك الحديد الإماراتية تشق طريقها نحو صحاري الخليج
ابوظبي (أ ف ب) – في إمارة أبوظبي الصحراوية، يتفقّد ابراهيم الحمادي عربات الشحن الخاصة بشبكة السكك الحديدية الأولى في الإمارات، ثم يدخل غرفة القيادة ليقوم بفحص نهائي لأنظمة القطار، قبل أن ينطلق به بكامل قوته.
والحمادي هو أول قائد قطار إماراتي في دولة ثرية تمتلك برنامجا فضائيا وشركتي نقل جوي عملاقتين، لكنّها تعمل الآن على استكمال عملية إنشاء نظام سكك حديدية تقليدي يربط بين إماراتها السبع.
ويقول الحمادي البالغ 23 عاما لوكالة فرانس برس “شعرت بالذهول عندما رأيت القطار يعمل”، مضيفا “كان شيئا جديدا دفعني إلى التساؤل حول كيفية تعلّم قيادته”.
وتشتهر الإمارات ببنيتها التحتية الحديثة وطموحاتها التكنولوجية، وقد نجحت في إرسال مسبار إلى المريخ، ومن المقرر أن يربط أول نظام تنقل فائق السرعة في العالم مدينتي دبي وأبوظبي.
وسيمتد قطار الاتحاد عند اكتماله، عبر مسار بطول 1200 كلم ليربط جميع الإمارات، من الغويفات في المنطقة الغربية من أبوظبي إلى إمارة الفجيرة على الساحل الشرقي، وصولا كذلك في أحد مراحله المتقدّمة إلى السعودية المجاورة.
وتقوم الخطة الطويلة الأمد على أن يكون القطار جزءًا من شبكة سكك حديدية أوسع تربط كل دول مجلس التعاون الخليجي الست، السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وسلطنة عمان.
ودفعت المنافسة بين الإمارات السبع، والتي لكل منها تخصصاتها ومجالات اهتمامها، إلى تأخير في الانتهاء من مشروع السكك الحديدية الوطنية الذي تم تدشين أولى مراحله قبل نحو خمس سنوات.
وتقول الباحثة في معهد الشرق الأوسط كارين يانغ لوكالة فرانس برس “كان هناك بعض التردد من جانب الحكومة الفدرالية حيال الإنفاق على مشاريع التكامل الاقتصادي الوطني (…) إلى جانب القضايا التقليدية المتعلقة بالسيادة على مستوى الإمارة نفسها”.
وتتابع “الإمارات عبارة عن نظام فدرالي ومركزي، لا تزال سلطته وسياسته الاقتصادية والتنموية في أبوظبي حديثة نسبيا”.
أهداف أكبر..
وحدث تقدّم ضئيل في خط سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي الذي تبلغ كلفته مليارات من الدولارات، منذ الموافقة على دراسة الجدوى الخاصة به من الدول الست في عام 2004.
وتقول يانغ “كانت مشاريع السكك الحديدية داخل دول مجلس التعاون الخليجي في مرحلة التخطيط لسنوات، وهي جزء من أهداف أكبر للتجارة والتكامل الاقتصادي داخل المنظمة الإقليمية لشبه الجزيرة العربية”.
لكنّ هذا التكامل واجه “عددا من العقبات، من سياسة العملة المشتركة التي أصبحت الآن موضع نقاش، إلى الخلاف مع قطر الذي عرقل (…) سفر المواطنين والتجارة”.
واستمر النزاع أكثر من ثلاث سنوات قبل أن يتم حلّه في كانون الثاني/يناير، وبدأ مع إقدام الإمارات والسعودية والبحرين ومصر على قطع علاقاتها مع قطر في حزيران/يونيو 2017 على خلفية اتهامها بدعم جماعات متطرفة واتخاذ موقف مؤيد لإيران على حساب جيرانها في الخليج.
ويعمل الحمادي في المشروع منذ تدشين مرحلته الأولى. وتنقل في القطار حبيبات الكبريت من الحقول الداخلية لإمارة أبوظبي في شاه وحبشان إلى ميناء الرويس على طول مسار يبلغ 264 كيلومترًا.
وبينما تتركّز العمليات في الوقت الحالي على نقل البضائع، مع شقّ طرق جديدة عبر الجبال بين إمارتي دبي والفجيرة، من المقرّر أن يشمل المشروع قطارات ركّاب ستعمل بسرعة تصل إلى 200 كلم في الساعة.
وسيوفّر ذلك بديلا لنظام الطرق السريعة في الإمارات الذي يصل عرض بعض مساراته إلى أكثر من 12 ممرا تستوعب صفوفا طويلة من المركبات في دولة تعتمد في حركة النقل على السيارات بشكل رئيسي.
الأمن والسلامة..
وتأمل الإمارات في أن تساعد الشبكة على مواصلة تنويع اقتصادها المعتمد على النفط، خصوصا في أبوظبي.
ويقول الحمادي “السكك الحديدية كانت دائما عنصرا حيويا في النمو الاقتصادي والاجتماعي والاستراتيجي لدول العالم”، مضيفا “لقد ساهمت في تطوير البنية التحتية في المنطقة الغربية (من الإمارات)، وزادت الأمن والسلامة على الطرق وقللت الازدحام”.
ويتابع “سيربط مشروع الاتحاد (لدى اكتماله) بين المراكز التجارية والصناعية، والسكان”.
وتشمل المرحلة الأولى من المشروع سبع قطارات و 240 عربة، ويسحب كل قطار ما يصل إلى 110 عربات أثناء شق طريقه في صحاري البلاد الشاسعة.
في غرفة التحكم في أبوظبي، تتنقل ميثاء الرميثي، وهي أول إماراتية تعمل في مراقبة حركة القطارات، من محطة إلى أخرى بينما تراقب عشرات الشاشات.
وبدأت الرميثي العمل مع مشروع الاتحاد للقطارات في عام 2017، وتقول إن شغفها بتعلّم شيء “فريد ومثير وجديد” هو ما دفعها نحو صناعة السكك الحديدية.
وتضيف الشابة (30 عاما) لفرانس برس “خط السكة الحديد ينمو كل يوم، وبما أنني أشارك في عملية التشغيل اليومي، أستطيع أن أرى تأثيره الإيجابي في قطاع النقل من منظور السلامة والبيئة واللوجستيات”.
وبحسب شركة الاتحاد للقطارات، فإنّ رحلة قطار شحن كاملة يمكن أن تحل مكان 300 شاحنة، وتقلّل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 70 إلى 80 في المئة.